هل ولى زمن “الأمن الأستباقي” في لبنان؟
كتبت كارول سلوم لـ “هنا لبنان” :
تعتمد معظم الدول العربية والغربية على استراتيجية تحمل عنوان “الأمن الاستباقي” لمهمات أساسية تحمل الطابع الأمني، لها انعكاساتها في إرساء الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للشعوب.
ولهذا الإجراء المتخذ إيجابيات عديدة، لجهة التعاطي بحكمة مع اي حدث من خلال اللجوء إلى وسائل تساهم بشكل كبير في الإحاطة به لا سيما إذا كان مفاجئا أو غير متوقع .
وفي التاربخ المعاصر، شواهد على إجراءات تندرج في الإطار الاحترازي، أدت وظيفتها بشكل تام وحالت دون وقوع احداث وإشكالات أمنية كبيرة ومتعددة.
قد يقال أن هناك أحداثًا غير متوقعة تحصل، وهذا ما شهدته عدة دول، إلا أن ذلك دفعها إلى تعزيز امنها الاستباقي بشكل فعال.
فهذه الاستراتيجية مكنت أغلبية الدول من استباق هجمات إرهابية وبالتالي منعت حصولها وهي نفسها عطلت شبكات إجرامية كبرى واعترضت طريقها في ملفات تجارة المخدرات والاتجار بالبشر وتبييض الأموال وغير ذلك من خلال أجهزة امنية ومعلوماتية تملك خبرة واسعة في هذا المجال.
أما في لبنان، فقد كان هناك تركيز على هذا المفهوم في معظم تحركات الأجهزة الأمنية والعسكرية لاسيما في التعاطي مع ملف مكافحة الإرهاب، وكم من اجتماعات عقدت ومواكبات تمت من اجل كشف وتوقيف أعضاء الشبكات والخلايا الإرهابية وشل قدرتها على التحرك لتنفيذ مخططاتها . ونجحت هذه الأجهزة في المهمات الموكلة إليها. وحققت انتصارات أيضاً. ولا يزال هناك أكثر من اختبار لهذه الأجهزة في عمليات أخرى. ولا مبالغة في القول أن هذا الاختبار هو شبه يومي مع تزايد الأحداث وتشعبها. وهنا لا يمكن إغفال أكثر من حدث أظهر فاعلية الأمن الاستباقي.
لكن هل الضائقة المعيشية والظروف الاقتصادية والمالية والسياسية حتمت القول أن زمن هذا الأمن قد ولى، أم أنه لا يزال ركيزة أساسية في بلد يعاني شعبه وأجهزته الأمنية والعسكرية؟
وفي هذا السياق، يقول قائد معركة فجر الجرود العميد الركن في الاحتياط فادي داوود لـ ” هنا لبنان” أن هناك عوامل تعرقل العمل الاستباقي للأجهزة الأمنية التي وعلى الرغم من ذلك تسير وفق قوة الدفع الأساسية وتنفذ مهماتها انطلاقا من القسم الذي أدته. ويؤكد أن اداء العناصر الأمنية ولاسيما المخابراتية والتي تعد من مرتكزات الأمن الاستباقي ستتأثر خصوصًا أن عملها قائم على جمع المعلومات والرصد وإجراء المسح لإعلام العدو ومحيطه، وهذا يستدعي أمورًا مكلفة وجهدًا. ويلفت العميد داوود إلى أن العمل الاستباقي ينفذ من أجل درء خطر وشيك وإن الخطورة تكمن في حال تأخر هذا العمل، لافتاً إلى أن هذا العمل سيتأثر تلقائيا بسبب الأوضاع المالية.
ويشرح أن مرتكزات هذا العمل قائمة أيضاً على الشق العملاني اي إقامة حواجز مفاجئة وتنفيذ عمليات دهم لأماكن سكن بالإضافة إلى الدعاية الاعلامية اي إصدار نشرات توجيهية وبيانات والطلب إلى الإعلام مرافقة الأجهزة لإظهار الصور الحقيقية، سائلاً: في ظل الوضع الاقتصادي والمالي المتردي ماذا يمكن للنخب الأمنية أن تفعل؟
ويضيف: لن يكون هناك تقاعس في تأدية الواجب، لكن قوة الدفع لا يمكن أن تحدث تقدماً في السير، مؤكداً أن شلل الدولة ومؤسساتها ينعكس على هذه القدرة.
ويقول أن هناك عنصرين يرافقان العمل الأمني الاستباقي، وهما العنصر القانوني أي التشريعات في مجلس النواب وتعاون النيابات العامة في المناطق، وللمؤسسات الأمنية مشاريع لا تزال عالقة في المجلس.
أما بالنسبة إلى العنصر البشري، فإن تكليف أي عنصر بمهام تعقب داتا الاتصالات بعد نيله الإذن من القضاء، يدفع إلى السؤال ما إذا كانت هناك إمكانية لشراء الجهاز أو العتاد المناسب لذلك، دون إغفال جهده في حين أن أي مقابل مادي له يبقى متواضعا جداً.
ويطلق العمبد داوود عبر “هنا لبنان” صرخة تحذير ويقول: ماذا تفعلون، فقوام الدولة هو المال والعسكر والاثنان تعرضا ويتعرضان للتهشيم.
ويلفت إلى أن المؤسسات العسكرية والأمنية تبذل قصارى جهدها لدعم عناصرها لكن أين هي السلطات من دعم هذه العناصر التي وصلت رواتبها إلى ٤٠ دولار شهريا، وبعضها اضطر إلى الفرار بسبب الرواتب المتدنية.