مع صرخة اللبنانيين اليومية… البابا فرنسيس يُطلِق نداءاً جديداً من أجل إنقاذ “الشعب اللبناني العزيز”
كتبت ريتا بريدي لـ “هنا لبنان” :
تعلو يوماً بعد يومٍ صرخات اللّبنانيّين أمام البؤس الشديد الذي يعيشونه، وقد تكون غصة القلوب في المنازل والتي لا تخرج على العلن أقوى بكثير من الصرخات التي لا ينفكّ المواطن اللّبناني يُطلقها في شوارع الوطن أينما ذهب.
إلّا أنّ صرخات الفقراء والمتألّمين وهذا الشعب اللّبنانيّ بأسره لا تغيب عن بال وقلب قداسة البابا فرنسيس، رأس الكنيسة الكاثوليكيّة، الذي ومنذ انفجار الرابع من آب 2020، يُنادي ويُصلّي ويُناقش من أجل إيجاد الحلول اللازمة والممكنة للأزمة اللّبنانيّة الخانقة.
وفي مناسبة اللّقاء السنويّ لتبادل التهاني بالعام الجديد مع الدبلوماسيّين المُعتَمدين لدى الكرسي الرسولي، وذلك في الأيّام القليلة الماضية، أعاد وأشار قداسة البابا فرنسيس في كلمته عن حبّه وصلاته وتفكيره الدائم بهذا البلد الصغير والشعب “العزيز” كما وصفه والذي يحتلّ مكانة كبيرة في قلب رأس الكنيسة الكاثوليكيّة، حيث توقف للإشارة في مستهلّ تعداده لنشاطاته في السّنة الفائتة أمام سفراء دول العالم أجمع الحاضرين، وقال: “من بين اللّقاءات العديدة، أودّ أن أذكر هنا لقاء اليوم الأوّل من تمّوز/ يوليو الماضي، الذي خُصِّص للتأمل والصّلاة من أجل لبنان. إلى الشعب اللبناني العزيز، الواقع في أزمة اقتصاديّة وسياسيّة، وهو يسعى جاهداً لوجود حلٍّ لها، أريدُ اليوم أن أجدّد تأكيدَ قُربي منهُ، وصلاتي من أجلِهِ، وأتمنّى أن تُساعد الإصلاحات اللّازمة ودعم المجتمع الدولي لكي يبقى هذا البلد ثابتاً في هويّته وبقائه نموذجًا للعيش السلميّ معًا والأخوّة بين مختلف الأديان فيه”. وعاد الحبر الأعظم ليؤكد أنّ لبنان لا يمكن أن يُترك رهينة الأقدار أو رهينة الذين يسعون من دون رادع ضمير وراء مصالحهم الخاصة.
إذاً، نداءٌ جديد أمام سفراء العالم أجمع يُشدّد الحبر الأعظم به على أهميّة التعاضد الدوليّ من أجل إنقاذ لبنان والحفاظ عليه وتأكيد أهميته في محور الشرق الأوسط بأجمعه.
وللإضاءة أكثر والتعمّق في مكانة لبنان بكلمات قداسة البابا فرنسيس وتشديده الدائم على الحفاظ على هويّة هذا الوطن، يُطلعنا عن الأسباب التي تدفع الحبر الأعظم للحديث عن لبنان في كل مناسبة مُمكنة وكيل عام الرهبانيّة الأنطونيّة لدى الكرسي الرسولي الأب ماجد مارون ويقول إن اهتمام قداسة الحبر الأعظم والكرسي الرسولي بقضية وطن الأرز يعود لأكثر من سبب، منها العلاقة التاريخيّة التي تربط لبنان وطن الرسالة بالكرسي الرسولي، وهذه العلاقة لها جذورها وأبعادها التاريخيّة، مروراً بأيّام الإرساليات التربويّة، إلى إستقبال الأمير فخر الدين، وبعدها تأسيس المعهد الماروني الحبري في روما، ومن ثمّ إستقبال البطاركة، إلى تأسيس العلاقات الديبلوماسية وإعلان دولة لبنان الكبير وأيضاً زيارات الأحبار الأعظمين للبنان والعديد من المحطات والمواقف. بالإضافة لأهمية لبنان من حيث الحوار المسكوني بين آباء الكنائس، ومكانة لبنان من حيث الحوار والعيش المشترك.
أمّا عن لقاء قداسة البابا مع السلك الديبلوماسي لدى الكرسي الرسولي الذي جرى في مطلع هذا الشهر، وكلماته عن أنّ لبنان في خطر فقدان هويّته، فيشير الأب ماجد مارون إلى أنّ الهوية التي يتحدّث عنها الأب الأقدس هي دور لبنان في الحوار ولقاء الحضارات ورسالته التربويّة والأكاديميّة، من خلال المؤسسات والجامعات والمستشفيات.
كما ولفت وكيل عام الرهبانيّة الأنطونيّة لدى الكرسي الرسولي إلى أنّ البابا فرنسيس قال ذلك اليوم أمام الدبلوماسيّين المُعتَمدين لدى الكرسي الرسولي: “وأتمنّى كذلك تجديد الالتزام السياسي الوطني والدولي من أجل تعزيز إستقرار لبنان، الذي يمرّ بأزمة داخلية والمُعرَّض لفقدان هويّته ولمزيد من التورّط في التوتّرات الإقليمية. من الضروري للغاية أن يحافظ البلد على هويّته الفريدة، وذلك أيضًا من أجل ضمان شرق أوسط متعدّد ومتسامح ومتنوّع، حيث يستطيع الوجود المسيحي أن يقدّم مساهمته وألّا يقتصر على أقلّية يجب حمايتها. إن المسيحيّين يشكّلون النسيج الرابط التاريخي والاجتماعي للبنان، ومن خلال الأعمال التربويّة والصحّية والخيريّة العديدة، يجب أن تُضمَنَ لهم إمكانيّة الإستمرار في العمل من أجل خير البلد الذي كانوا من مؤسّسيه. فقد يتسبّب إضعافُ الوجود المسيحي بفقدان التوازن الداخليّ والواقع اللبناني نفسه. ومن هذا المنظور، يجب أيضًا معالجة وجود اللاجئين السوريّين والفلسطينيّين. فالبلد إضافة لذلك، دون عمليّة عاجلة لإنعاش الاقتصاد وإعادة الإعمار، مُعرّض لخطر الإفلاس. لذلك فمن الضروريّ أن يتعهّد جميع القادة السياسيّين والدينيّين، واضعين جانبًا مصالحهم الخاصّة، بالسعي لتحقيق العدالة وتنفيذ إصلاحات حقيقية لصالح المواطنين، فيتصرّفوا بشفافية ويتحمّلوا مسؤولية أفعالهم”.
حسناً، هل برأيكم هنالك تجاوب من الطرف اللّبناني، من ناحية المسؤولين، مع نداءات قداسة البابا؟
وهنا ردّ الأب ماجد مارون بالقول: “لا يمكننا الإجابة عن المسؤولين، الجواب يظهر من خلال الأعمال والمبادرات والحوار والحلول”.
وفي حديثه لموقع “هنا لبنان”، أكد الأب ماجد مارون أنّ الأزمة صعبة ولكن الأمل والرجاء أقوى من كل تحدٍّ… لبنان بحاجة إلى كل أبنائه وبنوعٍ خاص إلى من لهم دور بالشأن العام، هذا الوطن بحاجة إلى روح وطنيّة جامعة ولمحاربة الفساد، ولعدم توريط لبنان بالمشاكل الإقليمية، والتخلص من تغليب الهوية الطائفية على الهوية اللبنانية، وختم بالقول: “التحديات كثيرة لكن الإنسان في لبنان يتمتع بالكثير من الوزنات والمزايا”.
مع نداءات البابا فرنسيس المتكررة، علَّه ضمير مسؤولي وطننا يَعي ويستيقظ ويسمع صرخات شعبه، لا بل ليسمع العالم بأسره هذا الشعب الذي يهتف له: “نريد العيش بسلام وطمأنينة، نريد أبسط حقوقنا”. ومع صلوات قداسة البابا في أوّل شهرٍ من السنة الجديدة، أملُنا يبقى دائماً أنّ الله لا ينسى صرخات وأنين شعبه المتألّم، فنصلّي مع قداسته من أجل لبنان.
مواضيع مماثلة للكاتب:
في اليوم العالمي للشطرنج: فوائده تفوق التوقعات! | “أهذا حقاً في لبنان؟”.. الهايكينغ يكتسح البلدات اللبنانية ويكشف جمالها! | احتفالاً بأسبوع الأصمّ العربي.. ملتقى “أوتار الصمّ” في الشارقة |