القانون المدني للأحوال الشخصية خشبة خلاص لبنان!
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان” :
ممّا لا شكّ فيه أنّنا نعيش كلبنانيّين في مجتمعٍ تعدّديّ غير مُتجانس، يتعايش على أرضه ثمانية عشر مذهباً يسعى كلّ واحدٍ منها لبسط سيطرته من خلال الأعراف، التقاليد والقوانين التي تُفرض من قبل الطائفة ورجال الدين؛ لذا نُلاحظ الهوّة في تشريع وتطبيق القوانين بين تلك الطائفيّة والأخرى المدنيّة.
المبادئ الأساسيّة في المُجتمع الديمقراطيّ لا تُطبّق من خلال الإلزام، وكونها ديمقراطيّة يستطيع الفرد الإختيار في تطبيقها أو عدمه. فالمساواة تُكتسب مثلها مثل العدالة والحريّة… ولأنّ الديمقراطيّة سِمة النظام الديمقراطي، فإنّ تطبيق القانون هو أساس هذا النظام.
من هُنا تلجأ المُجتمعات بشكل عام إلى اعتماد قانون مدني للأحوال الشخصيّة كوسيلة لتكريس مفهوم الديمقراطية، كون هذا النوع من القوانين يتساوى من خلاله الأفراد في الحقوق والواجبات. إذاً إلى أي مدى يُعتبر القانون المدني في لبنان أساسًا لإلغاء الطائفيّة؟
الطائفيّة في لُبنان متجذّرة في نفوس الأفراد، بالإضافة إلى تطبيق المُحاصصة التي تُسمّى إستثنائياً في لُبنان بالديمقراطية التوافقيّة، هُناك التشريعات والأحكام الروحيّة الصادرة عن المحاكم الروحيّة وذلك بحسب كلّ طائفةٍ. من هُنا نُلاحظ مدى الإختلاف بين الأحكام الروحيّة، فبدل الإجماع حول قانون موحّد يتساوى فيه الجميع أمام المحاكم ويأخذ حجم وطنٍ يُحارب فيه شعبه للصمود؛ ما زلنا نعيش لغاية اليوم تحت سقف الأحكام الطائفيّة.
إذا أخذنا القوانين الروحيّة المُختلفة نلاحظ أنّ الحقّ بالحضانة لدى الطوائف الكاثوليكيّة بعد الإنفصال بين الزوجين ليس له مدّة محدّدة وعمر محدّد لممارسة هذا الحقّ وتُترك للمحاكم الروحيّة حقّ تقدير المُدّة وفق ما تراه مُناسبًا لمصلحة الولد، لكنّ الحضانة تعطى بشكل عام لدى المُسلمين السنّة إلى الأمّ لغاية عمر الـ ١٢ سنة.
والشرخ في الأحكام يظهر حتّى داخل الطائفة الواحدة، فبالنسبة لفسخ الزواج لدى المسيحيّين هناك تمسّك بعدم الإنفصال، ولكن لدى الكاثوليك يمكن أن يتمّ ذلك إستثنائيًّا من قبل الحبر الأعظم، بينما لدى الأرمن الأرثوذكس، فالانفصال يتمّ استثنائيًّا في حال الزنى.
لا قانون موحّد ولا محاكم موحّدة بل هُناك أحكام لا تُعبّر سوى عن فكر طائفةٍ وليس بلدٍ! ومع اعتماد قانون مدنيّ موحّد يتساوى الأفراد تكون الحضانة للسنيّ كما للكاثوليكيّ وفسخ الزواج للكاثوليك كما للأرمن. فاعتماد القانون المدنيّ للأحوال الشخصيّة يُطيح بالمحاكم والأحكام الطائفيّة.
مع القانون المدنيّ للأحوال الشخصيّة يتمّ إقرار الزواج المدني الإختياري ومعه تُعطى الحريّة للأفراد إمّا بالزواج دينياً تحت جناح الطائفة أو إختيار القانون لعقد الإتحاد بين الأفراد. غير أنّنا في لبنان نعيش الإزدواجيّة فعدم السماح بعقد الزواج المدنيّ في لبنان لا يعني عدم الإعتراف به بعد تسجيله من قبل اللّبنانيّين الراغبين بعقده بالخارج.
الطائفيّة سيف ذو حدّين، فمن جهة تقوّي أفرادًا رغم ضعفهم وتكون سلاحًا يحميهم ومن جهةٍ أُخرى قد تحاربهم في حال تدخّلت المصالح الشخصيّة لصالح الجهة الظالمة. وكوننا وطن تعيش على أرضه ثماني عشرة طائفةٍ نُلاحظ الإختلاف في التمييز الجنسيّ مع إضعاف دور المرأة على حساب ذكوريّة الرجل لدى بعض الطوائف.
إعتماد القانون المدنيّ يعطي للمرأة دورًا أكبر بصنع القرار ويمكّنها من فرض سلطتها داخل المُجتمع لتصبح صاحبة القرار.
من هنا يأتي دور المجتمعين المدنيّ والأهليّ، لذا تسعى جمعيات عديدة في لبنان لدعم المرأة وتعزيز مكانتها، بالإضافة إلى دعم النساء المُعنّفات، وهناك حملات أطلقت منذ سنوات لنزع القدسيّة عن قوانين الأحوال الشخصيّة.
حماية المرأة تبدأ من حماية الفتيات القاصرات ومنع زواجهنّ في ظلّ الإرتفاع الكبير بمعدّلات الزيجات وكانت من أبرز الحملات حملة “مش قبل 18” التي سعت إلى إقرار قانون حماية الأطفال من التزويج المبكر وتحديد سنّ الزواج فبالنسبة للشيعة مثلاً سنّ الزواج لدى الفتيات 9 سنوات بينما لدى السنّة 18 والكاثوليك 14.
لكنّ المحاكم الطائفيّة لم تسعى فقط لعرقلة هذه الحملة بل هي تُعرقل أيضاً القانون المدنيّ ويظهر ذلك بعد سعيها لعرقلة إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات المتعلّقة بزواج القاصرات.
ناهيك عن المشاكل الإقتصاديّة التي تُعاني منها السيّدات بعد الطلاق خاصةً بموضوع النفقة التي لم تعد تكفي لعيش حياةٍ كريمة، في ظلّ الأوضاع الإقتصاديّة الرديئة التي يُعاني منها لُبنان في السنوات الأخيرة.
القانون المدني للأحوال الشخصيّة عليه أن يكون بوصلة المشرّع في لبنان، فلا تكفي إزالة المذهب عن الهوية كما سبق وطُبّق بل علينا إلغاء المذهب أيضاً عن إخراجات القيد وجميع المستندات التي تُظهر الطائفة.
قيمة الإنسان هي بأعماله وليس بجنسه أو طائفته لأنّ علينا أن نتساوى جميعاً، فخصوصيّة الإيمان أو المُعتقدات عليها أن تختلف عن نظرة الأفراد ببعضهم. أعمالنا هي أساس إحترامنا، لذا علينا تقييم الفرد على أساس أعماله والمُطالبة بقانون مدنيّ موحّد للأحوال الشخصيّة لضمانة مستقبل وطننا لبنان. فهل سيقبل رجال الدين بالتخلّي أو تقليص سلطتهم لصالح القانون المدني؟