“دولرة” الإيجارات “تكسر ظهر” المستأجر… والقطاع يترنّح
كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان” :
“الوضع في لبنان وضعني في مأزق، فراتبي المحدود الذي لا يتعدى المليوني ليرة “كسر ظهري” وأفقدني منزلي في منطقة عين الرمانة، بعد أن حال دون تمكني من تحمل دفع بدل الإيجار الذي أصبح 450 دولاراً بعد أن كان 900 ألف ليرة. ولما وصلت إلى حائط مسدود اضطررت للانتقال وأسرتي إلى منزل العائلة، ومعها خسرنا ذكرياتنا وخصوصيتنا”، بحسرة وأسى يترجم أيمن المعاناة التي لا تنتهي بين المؤجّر والمستأجر.
وسام أيضاً واحدٌ من الذين يدفعون ثمن الأزمات التي تمرّ على بلدهم، فهو مستأجرٌ بعقدٍ حرّ في منطقة الأشرفية، يدفع مليونًا ومئة ألف ليرة بدل إيجار منزله، وطلب منه المؤجّر اعتباراً من شهر آذار المقبل إمّا الدفع بالدولار أو بزيادة 40 بالمئة، “وإذا مش عاجبك فل”، وهو ما سيفعله وسام الذي يجد صعوبة في الدّفع بالدولار في ظل تدهور سعر صرف الليرة والغلاء الفاحش الذي طال كل شيء.
أما ناجي، موظف في معمل للشوكولا، يتقاضى مليونًا و700 ألف ليرة، حيث أن راتبه بالكاد كان يكفيه كما قال “لتأمين حاجاته الأساسية قبل الارتفاع الجنوني لسعر الدولار، أما اليوم فبين بدل الايجار الذي طلبه منه مالك المنزل بالدولار والذي يفوق راتبه الشهري وبين تكاليف المعيشة الباهظة انقلب حاله رأساً على عقب، ما دفعه إلى التفكير بالانتقال إلى منزل أهله في الجبل حيث طلب أيضاً من صاحب المعمل نقل عمله إلى فرع منطقة عاليه.
من جهته، يقول سامي صاحب إحدى الشقق السكنية: “الشقة التي كنا نؤجرها بـ 500 دولار تعادل اليوم 750 ألف ليرة أي 33 دولاراً، وهو أمر وضعنا بمأزق إذ أفقدنا قيمة بدلات الإيجار التي نعتمد عليها في تأمين متطلباتنا المعيشية”.
ويشدد سامي على ضرورة تعديل بدلات الإيجار بما يتماشى مع سعر صرف الدولار والغلاء المعيشي، معلّلاً الأمر بأنّ كلفة إصلاح الشّقة وصيانتها بعد إخلائها من قبل المستأجر باتت مكلفةً للغاية وقد تتعدّى قيمة إيجار سنة كاملة.
في لبنان أصبحت أسعار الإيجارات الأغلى في العالم مقارنةً مع الحدّ الأدنى للأجور، ما دفع المؤجّر إلى رفع الصوت عالياً، والمستأجر إما إلى “العراء” أو الدفع بالدولار. فهل تنذر مشكلة “دولرة” الإيجارات بأزمة عقارية؟ وكيف أصبح حال القطاع اليوم؟
يرى نقيب المالكين باتريك رزق الله أن “المالكين يشعرون بأسى كبير من الظلم اللاحق بهم، أكان على صعيد الإيجارات القديمة السكنية وغير السكنية، حيث صدر قانون جديد للإيجارات السكنية عام ٢٠١٤ لكن اللجان لم تفعلها بعد ومن دون سبب سوى تلكؤ بعض القضاة عن القيام بواجباتهم، ما سمح لبعض المستأجرين من أصحاب النيات السيئة بالتلكؤ عن دفع الزيادات الطارئة على البدلات. وفي الإيجارات غير السكنية، لا يزال المؤجرون ومنذ ٤٠ سنة يتقاضون بدلات معيبة لا تتخطى ٥٠ ألف ليرة شهرياً، ما يمنعهم من تأمين الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم”.
ويرى رزق الله أنه “في الإيجارات الجديدة، خسر المالكون ٩٥% من قيمة إيراداتهم ومعظمها بالعملة الوطنية، أما الـ ٥% المتبقية فأعادتهم إلى زمن الإيجارات القديمة. مع العلم أن معظم أسعار السلع والخدمات الأساسية قد ارتفعت بشكل جنوني، ومنها المحروقات وفاتورة مولد الكهرباء والدواء”، فسأل: “كيف يستطيع المالك تأمين هذه الأكلاف؟ كيف يكون إيجار محل أو مكتب أو شقة بسعر صفيحتي بنزين؟ أو ربع فاتورة مولد؟ أو علبتي دواء؟ كيف يأكل المالك ويؤمن قوت عائلته؟”
ويتابع، “منذ أيام قليلة صدر مؤشر بمعدل التضخم حيث بلغ عن عام ٢٠٢١ نسبة ١٥٣،٨%، فتُزاد البدلات غير السكنية بنسبة ٥% كما هو وارد بالقانون. هل يجوز هذا الأمر؟ أن نتحمل نسبة ١٤٨% من الزيادة ويتحمل المستأجر فقط ٥%! هذا ظلم لا يحتمل”.
وطالب لجنة الإدارة والعدل بـ “جلسة طارئة لإقرار قانون جديد للأماكن غير السكنية، والتي يبيع فيها المستأجر السلع والخدمات على سعر السوق الموازية حيث الدولار يقارب الـ ٢٥ ألف ليرة، فيما نحن نتقاضى بدلات مجانية لا تتخطى ٥٠ ألف ليرة شهريا!”
ويوضح رزق الله أنه “لا يمكن للمالك أن يتحمل كلفة الصيانة بعد اليوم وهذا يهدد إقامة المستأجر في المنزل، فيكف نتحمل المسؤولية بإيجارات مجانية، وكيف يستمر القسم صالحًا للسكن من دون صيانة وترميم وببدلات مجانية؟ سؤال برسم المستأجرين والنواب والوزراء”.
ويضيف: “لقد أصبح بدل النقل اليومي ٦٥ ألف ليرة شهرياً فيما الإيجار يتآكل بين قديم بـ ٢٠ و ٣٠ و٤٠ ليرة شهرياً، وجديد أصبح قديماً. أين التوازن في الموضوع؟ وأين المنطق؟ وأين الحق؟”
وشدد رزق الله أنه “لا يمكن فرض إجراءات على حساب المالك، لا ضوابط ولا غيرها، وبخاصة أن إيجاراته القديمة من دون تحرير، والإيجارات الجديدة أصبحت كالقديمة، وطالما هناك عدم استقرار اقتصادي، وأكثر من سعر لصرف الدولار، والليرة تتهاوى أكثر فأكثر وعلى نحو غير مسبوق، والأسعار إلى ارتفاع. فأين المساواة طالما معظم أصحاب الخدمات يرفعون أسعارهم، وحتى الدولة تمعن في فرض الضرائب والرسوم لرفع مداخيلها، إلا المالك وحده عليه أن يدفع ثمن الظروف والأوضاع على حسابه! المطلوب دعم المالك وليس العكس كي يستمر بأعمال الصيانة والترميم أو أن ترفع عنه. المطلوب دعمه بإعفاءات ضريبية، وبتحرير إيجاراته القديمة السكنية وغير السكنية كي يستطيع تحمل أعباء الظروف، وإلا فعلى خدمة الإيجارات السلام. المطلوب استعادة الثقة بالدولة والقضاء، لأن مجرد التلويح بضوابط وإجراءات شبيهة بالمرحلة القديمة فستعني ضرب خدمة التأجير نهائيًا لأن لا ثقة لنا بقرارات الدولة وقوانينها ولا بالقضاء بعد تجربة ظالمة لا مثيل لها في الإيجارات القديمة لم ننتهِ منها بعد”.
وختم رزق الله بنداء إلى نقيب المحامين ناضر كسبار “بأنه يدرك تماماً حجم الظلم اللاحق بالمالكين من ٤٠ سنة، مطالباً بالتعاون وبتشكيل لجنة لاسترجاع الأملاك المنهوبة. فلا يمكن أن يستقيم حق بمكان وأن يكون الواقع نفسه ظلماً بمكان آخر! ونحن على ثقة بحكمة النقيب كسبار من أجل تعاون مثمر يؤدي الى رفع الظلم عن كاهل المالكين وأن تتحمل الدولة مسؤولياتها بهذا الشأن”.
مصدر منتسب لنقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة يؤكد لـ “هنا لبنان” أن الطلب على إيجار الشقق السّكنية تراجع بشكل ملحوظ خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد أن كان يفوق المتوفر منها بأضعاف المرّات، بسبب زيادة بدلات الإيجار على المستأجر، ما دفع عددًا كبيرًا من المستأجرين نحو الانتقال إلى منزل بأقل تكلفة أو إلى السّكن الجماعي “أي مع الأهل”، توفيراً للمصاريف في ظل عدم تصحيح الأجور.
ويشير المصدر إلى أنّ الواقع الاقتصادي والغلاء المعيشي دفع عددًا كبيرًا من المالكين إلى “دولرة” بدلات الإيجار، فيما أبلغ القسم الآخر مستأجريه، برفع القيمة اعتباراً من مطلع العام الجاري، كي يستطيعوا مواكبة التّغيرات الطارئة، بعدما صبروا طيلة العامين الماضيين، وأبقوا على تسعيرة الإيجارات السابقة المحتسبة وفق 1500 ليرة للدولار الواحد.
ويشدّد المصدر على أن الظّروف في لبنان صعبة جداً، ومصلحة المالكين تجعلهم يتخوفون من تكرار سيناريو الإيجارات القديمة في ظل غياب دور القضاء والدولة في حمايتهم، ما دفع المالكين إلى العزوف عن تأجير منازلهم إلى حين اتخاذ القرارت المناسبة لحماية القطاع في حال تمنُّع المستأجرين عن الدفع بالدولار.
ويتابع “المالك اليوم يفضل عدم تأجير منزله أيضاً بسبب ارتفاع أكلاف الصيانة خصوصاً إن لحق به أي ضرر في حال عدم التزام المستأجر بأخلاقيات المحافظة على الشّقة”.
ويلفت المصدر إلى ضرورة الالتزام الأخلاقي بين المواطنين، مالكين ومستأجرين، لضمان حقوق الفئتين، وأن يبادروا إلى الاتفاق الحبي وبالتراضي فيما يخص تعديل العقود المبرمة بينهم، بحسب قيمة العملة وتطوراتها.
كما يدعو إلى ضرورة تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر لضمان حقوق الطرفين.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار | بيوت جاهزة للنازحين.. ما مدى قانونيتها؟ | قائد الجيش “رجل المرحلة”.. التمديد أو الإطاحة بالـ1701! |