مرفأ بيروت.. لا إعمار حتى اللحظة: من يريد تهميشه؟
كتبت ريما داغر لـ “هنا لبنان” :
مرفأ بيروت هو الميناء البحري الرئيسي في لبنان، وهو الشريان الحيوي الذي يغذّي اقتصاد لبنان، ويحرّك عجلته، حيث يؤمّن موارد للخزينة من خلال الرسوم الجمركية وحركة رسو السفن. كما يلعب دوراً أساسياً في عملية الاستيراد والتصدير، إذ يتعامل مع نحو 300 مرفأ عالمي.
بعد مضي ثمانية أشهر على انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، لم تكن الدولة اللبنانية قد حرّكت ساكناً لوضع أي تصوّر أو خطة لإعادة بنائه. وقد برزت كل من فرنسا وألمانيا على الساحة عبر تقديم عروض أو الحديث عن مشاريع في الأفق، بينما اكتفى الصينيّون بإعلان اهتمامهم بالموضوع.
ألمانيا عبّرت من خلال وفدها في لبنان عن رغبتها في تقديم مسودّة لمشروع إعادة البناء. فعرض الوفد الألماني المؤلّف من السفير الألماني في لبنان “أندرياس كيندل” وبعض موظفي السفارة، وممثلين عن شركة “هامبورغ بورت” للاستشارات، وشركة هندسية تدعى “كوليرز” مع وزارة الأشغال اللبنانية، مخطّطاً أوّلياً على مساحة 126 هكتاراً من مرفأ بيروت، قدّرت كلفته بما يتراوح بين 5 و 15 مليار دولار، وقد يخلق ما يصل إلى 50 ألف وظيفة. أما الأرباح التي سيحصل عليها مستثمرو المرفأ من المنطقة السياحية وحدها، فقد قُدّرت بنحو 2.5 مليار دولار سنوياً.
إضافة إلى المرفأ ذاته، تطرّق الاقتراح الألماني لفكرة إعادة تطوير منطقةٍ محيطةٍ به تبلغ مساحتها نحو مليون متر مربّع في مشروع قال عنه المصدران الدبلوماسيان، الألماني والفرنسي، إنه سيتشابه مع إعادة إعمار وسط بيروت بعد الحرب.
ومثل خطة ما بعد الحرب، يشمل الاقتراح تأسيس شركة مدرجة في البورصة مماثلة للشركة اللبنانية لتطوير وإعادة إعمار وسط بيروت (سوليدير) التي كان قد أسّسها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري في التسعينيات ولا تزال مدرجة في البورصة اللبنانية.
وقال المسؤول اللبناني إن فرنسا ومجموعة سي.إم.أيه سي.جي.إم للموانئ وشحن الحاويات مهتمّتان أيضاً بمشروع إعادة الإعمار.
وأشار أحد المصدرين الدبلوماسيين إلى أن فرنسا أرسلت عدة بعثات، من بينها واحدة في آذار أبدت خلالها اهتمامها بالقيام بدور في عمليات إعادة الإعمار. لكنّ تلك البعثة ركزت على عمليات تطهير معيّنة أكثر من عمليات إعادة تطوير أوسع نطاقاً.
بتاريخ 11\8\2020، توقّع مصرف “غولدمان ساكس” أن كلفة عمليّة إعادة بناء مرفأ بيروت تتراوح ما بين 3 و 5 مليارات دولار، وهو ما يفوق قدرة لبنان المالية الذي كان قد أعلن في آذار عن عدم قدرته سداد سندات “اليوروبوند”.
كما كان قد صدر في كانون الأول 2020 بيان عن قصر بعبدا يفيد بأن خطة إعادة الإعمار قد أعدّتها جهات ثلاث: البنك الدولي، الاتّحاد الأوروبي والأمم المتحدة. بكلفة 2.5 مليار دولار وهو مبلغ يختلف تماماً عن المبالغ المعروضة آنفاً.
وكانت الدولة اللبنانية قد تحدّثت عن خطة لخصخصة مرفأ بيروت، أو الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، كطرح مثلاً 75% من الشركة للتخصيص ببيع الحصّة لشركة إدارة مرافئ عالمية وإعطائها رخصة تشغيل وإدارة وتطوير المرفأ لمدة طويلة.
من جهة أخرى، يتمتّع مرفأ بيروت بموقع استراتيجي بالنسبة لمشروع “الطريق والحزام” الصيني، وهو منافس لمرفأ حيفا الذي بدأت الصين الاستثمار به بالرغم من المخاوف الأميركية من نفوذ غريمتها الصين في المنطقة.
فمشروع “الطريق والحزام” الذي انطلق عام 2013 وجرى تبنّيه رسمياً في العام 2014، هو مشروع عملاق يمتدّ حتى العام 2049 ويهدف إلى إعادة شبكات العلاقات الصينيّة التاريخية القديمة منذ القرن الثاني قبل الميلاد، والقائمة على التجارة بين الصين وبين حضارات أوروبا والبحر المتوسط، وذلك عبر سلسلة من المشاريع المشتركة العملاقة بين هذه الدول. كما يكرّس هذا المشروع أهميّة كبرى للموانئ التي ستكون قبلة التجارة الصينية مع العالم. وإن هذا طريق في شقّه البحري، يمتدّ من بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي ويمرّ بالبحر المتوسط إلى أوروبا عبر خليج عدن وقناة السويس. لذلك، بدأت الصين تبدي اهتماماً بتوسيع قدرة ميناء اللاذقية وتطوير ميناء طرطوس آخذة في الاعتبار مصالح روسيا في طرطوس ومصالح إيران في اللاذقية. كما وأنها استثمرت في بناء ميناء حيفا.
لغاية اليوم، ليس هناك من مشروع جديّ في ما يخصّ إعادة بناء مرفأ بيروت. كما أن المبالغة في الكلفة والتفاوت في مبالغ العروض المُقدّمة، يُظهر عدم وجود نيّة فعليّة بالبدء الفوري بالأعمال. ولعلّ ذلك يرتبط بقرار سياسي خارجيّ لما لمرفأ بيروت من أهميّة استراتيجية من خلال موقعه على الساحل الشرقي للبحر المتوسط وفي وسط منطقة متنازعة ما بين قوى دولية كبرى.
ولكن يبقى الأهمّ في الإسراع بالأعمال لأن التوقيت المناسب والسريع مطلوب لإعادة مرفأ بيروت على ما كان عليه في ظلّ سباق على استثمار المرافئ الإقليمية القريبة والتي من شأنها أن تؤدّي- في حال تأخّر عودة مرفأ بيروت لدوره السابق- إلى الاستغناء التامّ عن خدماته.