الموازنة على طاولة البحث.. حفظت شيئاً وغابت عنها أشياء
كتبت نايلة المصري لـ “هنا لبنان” :
باتت الموازنة واحدةً من أكثر الأمور تداولاً على الساحة الداخلية اللبنانية، لا سيّما وأنّ لبنان على موعدٍ مع مفاوضاتٍ مع صندوق النقد الدولي، نتيجة التعثر المالي والأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها البلاد.
العديد من التحليلات خرجت لتتحدث عن مساوئ هذه الموازنة ومشاكل الأرقام التي صدرت فيها، وما إلى هناك من مشاكل تعترضها وتعترض تطبيقها. ولكن ماذا ينقص هذه الموازنة، وما هي المواد التي غابت عنها؟
سؤالٌ حملناه إلى الخبير الاقتصادي رازي الحاج، الذي أعرب في حديثٍ لـ “هنا لبنان” عن أسفه لهذه الموازنة التي خرجت بها الحكومة، معتبراً أنها منفصلةٌ عن كلّ ما يحدث في البلاد، ومتمنياً لو أنها صيغت بمقاربةٍ مختلفةٍ وبشكلٍ كلّيٍّ لأنّ المقاربة الحالية هي مقارنة نفقاتٍ مع إيرادات.
وقال: حاولت الحكومة أن تقارب الإيرادات لناحية القيمة الحالية خصوصاً وأنّ هناك مصاريف لها ارتباطٌ مباشرٌ بالعملة الصعبة، كما أنهم يحاولون رفع بعض الإيرادات للتخفيف من العجز، إلّا أنّ هذا الأمر لا علاقة له لا بالإصلاح الاقتصادي ولا حتى بالتعافي الاقتصادي، وبالتالي فإنه لا يعطي علاماتٍ إيجابيةً للمجتمع الدولي.
ولفت الحاج إلى أن المطلوب اليوم وبشكلٍ واضح أن تكون مقاربة الموازنة في كيفية إطلاق الاقتصاد، إذ أنه حتى لو أن إيرادات الدولة ضعيفة، لا يمكن الذهاب إلى موازنةٍ خاليةٍ من مشاريع برامج إصلاحية، مشيراً إلى أنه يمكن تأجيل بعض المشاريع غير الأساسية والتي تشكل نوعاً من التكلفة للمواطن.
وتابع: في الوقت نفسه فإن الحكومة تتجه إلى مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ويجب أن يكون بجعبتها سلةٌ من المشاريع التي خصصها البنك الدولي للبنان بقيمة مليار دولار، ويتمّ وضع هذه المشاريع على الطاولة للبحث في ما يمكن تطبيقه لإعطاء نوع من المفهوم الإصلاحي للموازنة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان يمكن لهذه الموازنة أن تلحظ إمكانية تطبيق التحول الرقمي للإدارة العامة، مع السماح للموظفين في القطاع العام، وفي خلال ستة أشهر، بالخروج من هذا القطاع للتخفيف من حجمه، وبالتالي يمكن أن تعطي إشارة جيدة للمجتمع الدولي وصندوق النقد، والبنك الدولي، عن نية الدولة الدخول في الإصلاح على مستوى تخفيض نفقات الدولة في ما يتعلق بالتوظيف في الإدارة العامة. كما أن هذا الموضوع ينطبق أيضاً على موضوع الكهرباء، بحيث أن هذه الموازنة لم تلحظ أي خطة من الممكن على الحكومة تطبيقها للتخفيف من الكلفة العالية لهذا القطاع، إن لناحية الشراكة مع القطاع الخاص، أو الخصخصة، أو BOT أو غيرها من الأفكار التي تؤكد أن كهرباء لبنان لن تعود عبئاً على الموازنة.
وفي سياق متصل، لفت الحاج إلى أن قسماً من العجز في السنوات الماضية كان يندرج في إطار الفائدة على الدين العام، وهذا غائب عن هذه الموازنة، وكان يمكن لهذا الأمر أن يندرج في إطار تحقيق فائض أولي في الموازنة. كما يجب أن يكون هناك إطلاق للاقتصاد، أي كان يجب على الموازنة تحفيز إطلاق الاقتصاد وبدل الزيادة في الاقتصاد غير المنظم من خلال رفع الرسوم والضرائب والاتجاه نحو التهرب والتهريب، وبالتالي كان يجب العمل على إطلاق الاقتصاد وتشجيع الناس على أن يكونوا ضمن اقتصاد منظم لزيادة الإيرادات. هذا من دون أن ننسى أنّ الأمور التي تدخل فعلاً الإيرادات كانت غائبة عن الموازنة، لا سيما في قطاع الاتصالات وكازينو لبنان، والأملاك البحرية، وأصحاب المدخول المرتفع.
وختم قائلاً: يجب أن نفكر بوضوح في كيفية مقاربة موازنة، لو أنها لم تأتِ من خلفية هذه الموازنة لناحية تخفيض النفقات وزيادة الإيرادات بل أن تأتي بطريقة تحفيز الاقتصاد والدورة الاقتصادية وإعطاء إشارات أساسية لناحية معالجة العجز في كهرباء لبنان وتطبيق إلاصلاحات.