قانون الشراء العام: التنفيذ في تموز ولو تأخّرت الإجراءات
كتبت ريمان ضو لـ “هنا لبنان”:
في مؤشر مدركات الفساد لعام 2020 الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، احتل لبنان المرتبة 149 عالمياً من أصل 180 دولة يقيسها المؤشر، وهذا أكبر دليل على عجز الدولة ومؤسساتها المتفاقم في محاربة الفساد واعتماد الشفافية. فخلال السنوات الأخيرة، شكّلت الصفقات والعقود وعمليات الشراء العام مدْخلاً أساسيّاً للفساد في لبنان بفعل انعدام المنافسة والنقص في الشفافية. والخلل في منظومة الشراء العام، فضلاً عن صيغة “التراضي” التي اعتمدت في قسم كبير من القطاعات، مما دفع إلى رفع الأصوات المطالبة بمعايير واضحة ودفاتر شروط منظّمة وعلنيّة للمناقصات والمنافسة المشروعة والمساءلة وتعزيز دور إدارة المناقصات بعيداً عن المحسوبيّات والصفقات المشبوهة.
في حزيران الماضي، أقر مجلس النواب “قانون الشراء العام”، أحد أبرز القوانين الإصلاحية التي يصر عليها صندوق النقد الدولي ويعتبرها شرطاً من شروط التفاوض. ويحدد القانون آليات إجراء صفقات الشراء العام بعد تحليل الحاجات الشرائيّة قبل القيام بالصفقات، وغيرها من الخطوات التنظيمية التي تهدف إلى الحد من الفساد في الصفقات العامة. فإصلاح منظومة الشراء العام في لبنان جزء لا يتجزأ من رزمة الإصلاحات الماليّة الأساسيّة الضروريّة لتحقيق الانضباط المالي والحوكمة المالية ومكافحة الفساد وتعزيز التنافسيّة.
من المفترض أن يدخل هذا القانون حيز التنفيذ في نهاية تموز المقبل، ومن شأنه في حال تنفيذه، أن يكفل بحسب ما أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، خلال حفل “إطلاق الاستراتيجية الوطنية لإصلاح الشراء العام” في السرايا الحكومية، منذ أسبوع، تحرير نحو 340 مليون دولار بفضل ما سيحققه من وفورات ويمكن استخدام هذا المبلغ لمعالجة الصعوبات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها لبنان.
وحتى بدء سريان مفعول هذا القانون، تتولى “إدارة المناقصات” الفترة التحضيرية لتجهيز الكادر البشري والحاجات التقنية، تمهيداً لتتولى هيئة الشراء العام بعد ذلك تنفيذ القانون.
يؤكد رئيس هيئة إدارة المناقصات جان العلية لموقع “هنا لبنان” أن “هذه الطبقة السياسية تعلن بالشكل أنها ملتزمة بالإصلاحات والشروط الدولية المطلوبة، إلا أنها فعليا تحاول الالتفاف على المضمون. وهذه الطبقة أُرغمت على إقرار قانون الشراء العام بعد الخلل الذي أشارت اليه إدارة المناقصات عام 2012 في تقريرها، وصولاً إلى تظهيرها في الإعلام، بدءًا من العام 2017 مع مناقصات الميكانيك والاتصالات والبواخر، وكل ذلك ساهم بتوعية الرأي العام المحلي والعالمي على وجود خلل في تطبيق القوانين ومعايير الشفافية في توقيع وتنفيذ الصفقات”. ويضيف “يعلم القاصي والداني أن لا استثمارات في لبنان من دون تطبيق قانون الشراء العام هذا ما تؤكده الجهات المانحة”.
ويشرح العلية أن العمل لتطبيق القانون يجب أن يتم على جبهتين: الأولى في إدارة المناقصات، والثانية في مجلس الوزراء.
إدارة المناقصات بدأت العمل على تحضير كل مسوّدات المراسيم التي يحتاجها القانون المتعلقة بأنظمة هيئة الشراء العام وهيئة الإعتراض والشراء الإلكتروني والتنمية المستدامة بالإتفاق والتنسيق مع معهد باسل فليحان، ضمن “الاستراتيجية الوطنية لتطبيق القانون”. ومن هذه الخطوات أيضا، تجهيز الكادر البشري من خلال تدريب الموظفين الذي يتولاه معهد باسل فليحان وفقًا لخطط إدارة المناقصات.
إذًا الشق التقني بات شبه جاهز في إدارة المناقصات، وعلى مجلس الوزراء القيام بمهامه، فأمامه عدة استحقاقات، أولها إقرار الاستراتيجية الوطنية لإصلاح الشراء العام، وهي خطوة معنوية للقول للمجتمع الدولي إن لبنان ملتزم بتطبيق هذا القانون واعتماد الشفافية ونشر المعلومات، إضافة إلى تعيين أعضاء هيئة الاعتراض ورئيس هيئة الشراء العام. وفي هذا الإطار، وفي حال امتنع مجلس الوزراء عن تعيين هيئة إدارة الشراء العام، لسبب من الأسباب فإن المادة 88 الفقرة 2 من القانون، تنص على أنه إلى حين تعيين أعضاء الهيئة يتولى رئيس إدارة المناقصات والأعضاء المهام المنصوص عليها في القانون.
وعند بدء تنفيذ القانون، يتم إلغاء إدارة المناقصات وتحويل جميع موظفيها إلى هيئة الشراء العام، باستثناء رئيسها الذي يعينه مجلس الوزراء بحسب التعديل الأخير الذي وافق عليه المجلس الدستوري.
وبعد تعيين أعضاء هيئة محاربة الفساد، يُفترض البدء بتعيين باقي الأعضاء من الفئة الأولى (أربعة أعضاء إلى جانب الرئيس) والبدء بمباريات ومقابلات لتعيينهم، تجريها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، مجلس الخدمة المدنية، ديوان المحاسبة والتفيش المركزي. ويشير العلية إلى أن المادة 95 تؤكد مراعاة التوازن الطائفي، لكنها تصر أيضًا على مبدأ الكفاءة والجدارة في التعيين.
يصف العلية القانون بـ “الذكي”، فهو وضع خططًا بديلة لوقف أي محاولات قد تلجأ إليها الأحزاب الحاكمة لمنع تنفيذ القانون. فحتى في حال عجزت الحكومة عن تعيين أعضاء هيئة الاعتراض، فإن القانون عالج هذه الثغرة من خلال الإشارة إلى أنه يمكن اللجوء إلى الاعتراض أمام مجلس الشورى وديوان المحاسبة.
أما المنصة الإلكترونية المستقلة المنصوص عليها في المادة 66، فالعمل جارٍ لإطلاقها، ولكن، وفي حال تأخير العمل بها، يمكن الاستعانة بمنصة impact الموجودة حاليًّا، رغم بعض التحفظات على هذه المنصة ومن يديرها.
العلية يتوقع استمرار محاولة الالتفاف على القانون التي بدأت في اللجان النيابية أولاً، ثم في الهيئة العامة في مجلس النواب وليس أخيرًا في المجلس الدستوري. ويكشف العلية أن “الجهات نفسها التي حاولت الالتفاف على قانون الشراء العام تسعى حاليًّا إلى إعداد قانون معجل مكرر لتأجيل تنفيذه، تحت ذريعة أن الإدارة غير جاهزة، لكنه أكد أن إدارة المناقصات جاهزة للتصدي لمثل هذه المحاولات أمام الرأي العام”.
قوانين عدة أقرت لمحاربة الفساد وتعزيز الشفافية إلا أنها وُضعت في الأدراج وبقيت حبرًا على ورق. والوعود بالإصلاح ومحاربة الفساد، شعارات اعتاد اللبناني على سماعها. وقانون الشراء العام هو الفرصة الذهبيّة لإصلاح منظومة الشراء العام وتحديثها ويشكل أحد أهم القوانين الإصلاحية التي التزم لبنان بإقرارها وفقًا للمعايير الدولية المعتمدة بهدف تحقيق الفضلى من إنفاق المال العام، وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة عبر تكافؤ الفرص، وتعزيز الشفافية والنزاهة والمساءلة، واستعادة ثقة المجتمعين المحلي والدولي. وهذه المرة تبقى العبرة بالتنفيذ.
مواضيع مماثلة للكاتب:
المحكمة العسكرية ضحية “الكيدية” | مسؤولون لبنانيون للوفود الديبلوماسية: الأولوية للترسيم البري بدل الالتهاء بالقرار 1701 | أونصات مزورة في السوق اللبناني… والقضاء يتحرك |