ملايين الدولارات لتعبئة سدّ المسيلحة: وتيار السدود الفاشلة يستعجل إعلان الإنتصار


كتبت نوال الأشقر لـ “هنا لبنان” :

للمرة الثالثة تعيد وزارة الطاقة تعبئة سدّ المسيلحة. الفشل الذريع كان حليف التجربتين الأولى والثانية، بحيث اختفت المياه، وانتشرت صور أظهرت السد كأرضٍ مليئة بالفجوات والتشقّقات. تبرير وزارة الطاقة أنّه يتمّ اعتماد الطريقة التدرّجية، من خلالها، يُبنى السد بالطريقة الأقل كلفة اقتصاديًا، وبعدها يُعمد إلى ملئه بالمياه، وضع الملاحظات، ومن ثمّ إفراغه لتصحيح ما يجب تصحيحه. بالمقابل هناك رأي آخر للخبراء البيئيين يؤكّد أنّ الأرض غير صالحة لبناء السدود، وأنّ المياه بعد تعبئة السدّ تذهب إلى البحر، كما حصل العام الماضي، بحيث أظهرت صور الأقمار الاصطناعية موجات من الوحل على الشاطىء المقابل للسدّ في حينه، بعد نحو 48 ساعة على تدشينه، وفق ما أكّد الخبير الهيدروجيولوجي سمير زعاطيطي، معلّلًا ذلك بأنّ السد بُني على طبقة طينيّة، تحتها فراغات تسمّى بواليع، تجذب المياه داخلها.
وزير الطاقة والمياه وليد فياض أعطى قبل أيام تعليماته إلى متعهّد المشروع “بالمباشرة بعملية تعبئة البحيرة، على أن يترافق ذلك مع تواجد دائم للمعنيين وتحت إشراف متواصل من وزارة الطاقة والمياه، على أن يصار إلى تزويد الإدارة و الوزارة، وبشكل أسبوعي، بتقرير مفصّل عن عملية التعبئة وحجم المياه المخزّنة وسرعة التخزين ومستوى تصريف نهر الجوز ومستوى المياه في البحيرة والقياسات الفنية الآيلة إلى دراسة درجة ثبات جسم السدّ، ومقارنة التسرّبات إذا حصلت بالنسب العالمية المسموح بها”.
الكل بانتظار نتائج التجربة الثالثة بعد الإنتهاء من عملية تعبئة السدّ، ومراقبة مصير المياه، باستثناء الوزير السابق غسان عطا الله الذي استعجل إعلان الإنتصار، وكتب عبر حسابه على تويتر “صورة سد المسيلحة اليوم وحدها بتحكي عن أهمية السدود… للأسف أهل الشوف خسروا إنجاز سد بسري بسبب الجهل والنكد السياسي”. وأرفق تغريدته بصورة لسدّ المسيلحة.
الناشط البيئي رئيس جمعية “الأرض- لبنان” بول أبي راشد لفت في حديث لـ “هنا لبنان” إلى أنّ العبرة ليست بتجميع المياه، بل ببقائها في السدّ، وهذا ما لا يمكن معرفته قبل مرور أسابيع “بالتالي قبل أن يفتخر البعض بالمياه في السدّ، فلينتظروا ما سيحصل في الأسابيع المقبلة، لنحكم ما إذا كان السدّ إنجازًا أو مزيدًا من هدر المال العام. نحن الذين اعترضنا على السد منذ البداية، لن نكون بالموقع السلبي في حال تمّ تجميع المياه، خصوصًا أنّه بعد تدمير الموقع البيئي وبعد التكلفة الباهظة، أقلّه فلتتم الإستفادة بتجميع المياه، والمسألة ليست مسألة شماتة بطبيعة الحال”. أضاف أبي راشد “بحسب مشاهداتنا لم نلاحظ ورشة إصلاحات لقعر الخزان، ولكي نحكم على التجربة الثالثة في تعبئة السدّ لا بدّ من إعطاء مهلة من ثلاثة إلى أربعة أسابيع. ولكن المتعهّد أشار في إطلالة تلفزيونية إلى مستحقات ماليّة تعود له، فهل الهدف من التجربة الثالثة دفع الأموال؟”
وفقًا لموقع وزارة الطاقة يهدف السدّ إلى تأمين مياه إضافيّة للشفة والصناعة. وتُقدّر الكميات التي سيؤمنها مستقبلياً بحوالى 30 ألف متر مكعب يومياً، وهي تشكّل الحاجات الإضافيّة في الأعوام ما بين 2035 و2040. كما يساهم في دعم ري مساحة 1500 هكتار من المساحات الصالحة للزراعة والمرويّة جزئياً في ساحل البترون من مصادر مياه غير كافية في ساحل البترون وساحل الكورة.
لكن العبرة بالنتائج، في الإطار يلفت أبي راشد إلى أنّ المشكلة الأساسيّة تكمن في أنّ الأرض غير صالحة للسدود، نظرًا إلى التشققات والكسور والبواليع، وهذا ما يفسر كيف أنّ المياه كانت تذهب إلى البحر في كلّ مرّة بعد امتلاء السد “كما أنّ وزارة الطاقة ومن خلال مباشرتها بالمشروع قبل إنجاز الدراسات، خالفت قانون حماية البيئة، وهو قانون عالمي ينصّ على وجوب القيام بدراسة تقييم أثر بيئي واجتماعي واقتصادي لأيّ مشروع قبل البدء به. وهو ما كشفه أحد المهندسين بقوله “قالوا لنا بلشوا بالمشروع والدراسات بعدين”.
أضاف أبي راشد “ما فعلوه بالمسيلحة أشبه بدمار شامل، لقد دمّروا هذا الوادي الأثري، وهو ممر القوافل التجارية منذ الآف السنين. وفضلًا عن غناه بالكنوز الأثرية يضم العديد من الأراضي الزراعية الخصبة، دمروا كل ذلك ليحوّلوا الموقع إلى بحيرة موحلة، تصبّ فيها كل مجاري الصرف الصحي في قضاء البترون”. وسأل كيف يمكن إيصال المياه من السدّ إلى أقرب بلدة له وهي بلدة حامات؟ وإلى قضاء الكورة والبترون؟ من خلال تأمين التيار الكهربائي واستخدام العديد من المضخّات، بظل تكلفة مادية كبيرة؟ هو مشروع فاشل منذ البداية، ويبدو أنّه مشروع سياحي عقاري لبيع الأراضي حوله”.
ماذا لو تمت معالجة مكان الخلل قبل تعبئته هذّه المرّة؟
يجيب أبي راشد “طبيعة الأرض في المنطقة غير ملائمة للسدود، وهناك العديد من الأمثلة منها سدّ بريصا وغيره، وفي المسيلحة اختفت المياه بعد تعبئته عامي 2019 و 2020. وفي حال حصلت معالجة للتسرّب فهي غير مضمونة النتائج، لا سيّما وأنّ وزن المياه وثقلها يزيد من التشقّقات والكسور. كل ذلك ولم نتحدث بعد عن تكلفة المشروع وسوء التقدير وما نتج عنه من هدر للمال العام”.

تبقى الإشارة إلى أنّ وزارة الطاقة طلبت تسديد كشوفات بقيمة 1,8 مليون دولار لمتعهّد سدّ المسيلحة، كي يستكمل تعبئة السدّ بالمياه ومتطلبات التجربة الثالثة، وبالتالي نحن أمام مزيد من هدر المال العام، والإنفاق على مشروع لم يظهر سوى الفشل تلو الفشل منذ إنشائه، أسوة بالعديد من السدود التي كلّفت الدولة مليارات الدولارات ولم تجمع نقطة مياه واحدة، وأصحابها مصرون على استكمالها حتّى النهاية، كل ذلك يحصل بزمن الفقر والتجويع.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us