العونيّون… من الفنيقيين إلى البعثيين؟
كتب طوني عطية لـ “هنا لبنان” :
منذ العام 2008، أجرى العماد ميشال عون “عملية قلب مفتوح مع سوريا” كما عبّر عنها آنذاك في زيارته التاريخية الأولى لدمشق، بعد ثلاثة أعوام على انسحاب احتلال الجيش السوري من لبنان، ودعا يومها “اللبنانيين إلى الإعتذار أولاً عن المصائب التي حلّت أبان الحرب الأهلية وخلال العلاقة العاصفة بين لبنان وسوريا”.
بعد هذا الإنقلاب الدراماتيكي على الخطّ السيادي، الذي لطالما تفاخر عون أنّه رأس حربته، توالت “طَلعات” التيار إلى الشام بلا إحراج، كما قال رئيس الوفد البرتقالي في الزيارة الأخيرة، الوزير السابق طارق الخطيب “إننا زرنا سوريا علنًا في وضح النهار ولا نذهب إليها في سيارات مفيّمة أو خلف أقنعة، إذ ليس لدينا ما نخفيه ونخجل منه”.
لم الخجل بينما المعتقلون في سجون البعث (صاحب الدعوة) لم يعودوا من جهنّم، والحدود بين الدولتين لم تُرسّم بعد؟
وإذا كان الجمهور العوني يستطيع أن يمتصّ من دون “عسر هضم” تلوّنات تياره ونقل البندقية من كتف إلى آخر، من محاربة “الميليشيات” إلى “اتفاق مار مخايل”، من “قانون محاسبة سوريا” والقرار 1559 إلى محور “الممانعة”، لا تزال العلاقة بين التيار الوطني والنظام السوري، تشكّل هاجساً واستهجاناً عند جزء من اللبنانيين، خصوصاً لدى من قاوم في سبيل تحرير لبنان من الإحتلال السوري، أمثال إيلي محفوض، الذي ساهم في تأسيس الحالة العونية عبر نضاله، وتعظيمها وترفيعها، من خلال مؤلفاته، ككتابه الصادر عام 1996 بعنوان “لبنان من الفنيقيين إلى العونيين”، فهل انتقل العونيون من الفنيقيين إلى البعثيين؟
يعلّق محفوض في حديث مع “هنا لبنان” على زيارة “التيار الوطني” إلى سوريا ولقاء وزير خارجيتها فيصل المقداد والأمين العام المساعد لحزب “البعث” هلال هلال، بأن “التيار لم يعد من سوريا لكي يزورها، هو لا يزال هناك متموضعاً إلى جانب بشّار الأسد، وطالب بعودة مقعدها إلى جامعة الدول العربية حتى في عزّ استفحال الأزمة وعمليات قتل الشعب السوري وإبادته، وتجديد انتسابه إلى محور خامنئي- أسد- نصرالله”.
ويرى أن “الدوافع الحالية وراء الزيارة، هي بهدف الكسب الإنتخابي، واستعطاف الأصوات التي تدور في فلك النظام السوري، بعد التراجع الكبير في شعبية التيار، وخسارة بعض الحلفاء والشخصيات الذين شكلوا رافعة إنتخابية وتأمين الحواصل، خصوصاً في الدوائر ذات الغالبية المسيحية، كحزب الطاشناق الذي أعلن تحالفه مع الياس المرّ الذي رشّح ابنه ميشال في المتن، وانقطاع التواصل الإنتخابي مع تيار المردة حتى هذه اللحظة، وعدم الوضوح لدى الحزب القومي الذي يعاني من انشقاقات وخلافات داخلية، إضافة إلى بعض البيوتات السياسية من المرشحين الذين كانوا يرفدون التيار بعددٍ من الأصوات، وإحجام نادي رجال الأعمال عن الدعم المادي بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على رئيسه جبران باسيل، بينما حظي في الانتخابات السابقة بتشكيلة واسعة من التحالفات، لم يبقَ منها سوى الثنائي الشيعي”، مضيفاً أن “التيار يريد أن يقبض انتخابياً، ثمن بيع الجنسية اللبنانية لسوريين مقربين من النظام، دون أن ننسى مشاهد الباصات الآتية من الشام لينتخب ركّابها ما يُطلب منهم”.
وبشأن معالجة ملف النازحين الذي كان حاضراً في اللقاء العوني- السوري، يقول محفوض “إن هذا الموضوع هو لذرّ الرماد في العيون، لأن الجانب السوري يرفض إعادتهم إلى وطنهم، لأنّ لدى بشار مخطّط خطير، يهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي في سوريا، خصوصاً أن غالبية اللاجئين هم من السنّة، لخلق توازن مع العلويين، ولو أراد الأسد عودتهم لفعل ذلك من قبل”، ويسأل “لماذا رفض التيار في الحكومة التي شارك فيها بأكبر كتلة وزارية، عندما بدأت أفواج اللاجئين تتدفق إلى لبنان، إقامة المخيمات على الحدود أسوة بدول الجوار كالأردن وتركيا وضبط حركتهم وانتشارهم؟”.
وعن عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين بعد انسحاب سوريا من لبنان، يردّ إيلي محفوض على الوفد، متسائلاً: “ما الذي تغيّر لدى البعث وعقيدته تجاه لبنان؟ هل اعترفوا بالكيان اللبناني؟ هل اعتذروا عن الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب اللبناني؟ هل أعادوا ما سرقوه منّا؟ ماذا عن ضبط الحدود وترسيمها؟ ليبقى السؤال الأهم الذي يجب أن نتوجّه به إلى حلفاء سوريا والذين يفاخرون بزيارتها بوضح النهار: ألم تسمعوا أنين المعتقلين وصراخهم؟”، ليضيف: “كيف نطلب من التيار أن يطالب بالإفراج عن المعتقلين، في حين أن عون قد صرّح في الماضي، أن لا وجود لمعتقلين لبنانيين في السجون السورية، قائلاً جملته الشهيرة: حلّوا بقى عن سوريا”. مذكّراً إياهم، بما ورد من كلامٍ للعماد عون في الكتاب البرتقالي “الطريق الآخر”: “حتى لو انسحبت سوريا من لبنان، سوف تترك خلفها منظمات عسكرية وإرهابية”.
وختم محفوض قائلاً “إنه خُدِع على مستوى تجربته الشخصية بظاهرة العماد عون، وإنه لا يتفق مع الذين يعتقدون أنه تغيّر بين منفاه الباريسي والرابية، بل يراه شخصاً واحداً لم يتبدّل، وما المراحل والحروب التي خاضها سوى أدوات لبلوغ أهدافه الشخصية”.