تفاهم مار مخايل (2006 -2022 ): عاش ليموت لبنان!
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان” :
في مثل هذا اليوم قبل 16 عاماً، التقى الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله ورئيس “التيار الوطني الحر” الجنرال ميشال عون في إحدى قاعات كنيسة مار مخايل في الشياح، وتبادلا القبل طويلاً، قبل أن يجلسا ويبرما اتفاقاً، جرت تسميته “تفاهم مار مخايل”. وإذا ما وضعنا جانباً النص، وذهبنا إلى نتائج هذا الاتفاق لبرزت الحقيقة الآتية: لبنان اليوم هو في أسوأ مراحله التي عرفها في تاريخه على المستويات كلها تقريباً.
وفيما لا يزال الطرف الأول في التفاهم، أي نصرالله أميناً عاماً للحزب، صار الطرف الثاني، أي عون رئيساً للجمهورية. ولا يختلف اثنان على أنّ وصول الجنرال إلى سدة الرئاسة الأولى، ما كان ليتحقق لولا التفاهم المذكور بإسناد شخصي من نصرالله الذي نجح بعد إصرار، على أن يصل حليفه إلى قصر بعبدا، غير آبه بالفراغ العصيب الذي عرفه لبنان بين انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان عام 2014 وبين بدء ولاية عون عام 2016.
ظاهريًّا، يجري التركيز على 16 عاماً من تحالف جمع طرفيْن يقودهما رجلان جمع بينهما العداء لاتفاق الطائف الذي أنتج دستورًا، كي يتم إحياء مشروع الدولة التي شرذمتها حرب عام 1975 ولغاية العام 1989. لكن باطنيًّا، هناك القليل من الاهتمام الذي أُعطيَ للتفاهم المبكر الذي جمع بين نصرالله وعون ما أتاح للأخير العودة من منفاه الباريسي عام 2005. وقد أفرد المحامي كريم بقرادوني صفحات في كتابه “صدمة وصمود” عام 2009 كاشفًا بالوثائق والتفاصيل الأسباب التي سمحت للجنرال المنفي أن يعود إلى لبنان، وأبرزها التسليم بنفوذ “حزب الله”. ويروي بقرادوني كيف ولدت “مبادرة لعودة الجنرال ميشال عون” في أوائل عام 2005، وقبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من ذلك العام. ومما قاله عن هذه المبادرة في الصفحة 373 من الكتاب: “سلمت نصّ المبادرة إلى إميل إميل لحود ابن الرئيس لحود (والأخير كان وقتذاك لا يزال رئيساً للجمهورية) الذي حملها إلى دمشق وعرضها على صديقه ماهر الأسد الذي استوضح الملابسات والخلفيات، واستمهل إلى حين عودة شقيقه من الخارج. وقبل أن يصل لحود إلى بيروت، اتصل به ماهر ليخبره أنّ الرئيس بشار الأسد عاد لتوّه ووافق على المبادرة “شرط أن يكون “حزب الله” شريكاً في العملية، وأن تحصل بإشراف مباشر من الرئيس لحود”.
هناك غيضٌ من فيض التفاصيل حول ملابسات عودة عون من منفاه الباريسي كي يبدأ في لبنان مسيرة جديدة تحت عباءة سوريا أوّلًا، ثم تحت عباءة “حزب الله”. إذاً، لم يكن “تفاهم مار مخايل”، سوى تنفيذاً للصفقة أو “المبادرة” بحسب ما كتب بقرادوني.
ما يهم اليوم قوله بعد مرور 16 عاماً على صفقة عودة عون من باريس إلى بيروت هو: أخذ “حزب الله” من شريكه في الصفقة كل التغطية لمشروعه في لبنان، بدءًا من الحرب الإيرانية التي أشعلها الحزب في تموز 2006 والتي دمّرت لبنان، وانتهاء بحروب التدخل الإيرانية في المنطقة وكان “حزب الله” في طليعتها بدءًا بسوريا وانتهاء باليمن، والتي كان من نتيجتها ولا يزال، تدمير علاقات لبنان مع العالم العربي، وفي مقدمها دول الخليج.
في المقابل، حقق عون حلم حياته، أي انه أصبح رئيسًا للجمهورية.
لكن بأيّ كلفة تمت هذه الصفقة؟
أفضل جواب، سيكون ما قاله الرئيس عون في آخر حديث صحفي قبل أيام. فعندما سألته صحيفة “الجمهورية” حول “وثيقة التفاهم”، أجاب: “التفاهم مستمر، ولا فراق بيننا وبين الحزب”. وللتدليل على تمسكه بهذا “التفاهم”، هو أن “جبران باسيل وُضع على لائحة العقوبات لأنه رفض طلب واشنطن أن ينقلب على الحزب”. لكن أحدًا لم يسأل رئيس الجمهورية مباشرة، هذا السؤال: “ما صدر عن وزارة الخزانة الأميركية بحق باسيل تضمن لائحة بأعمال الفساد التي ارتكبها الأخير، فلماذا لم ينبرِ هو، أي باسيل أو القضاء في لبنان، للرد بالتفاصيل كما ورد في لائحة الاتهام الأميركي؟”
16 عامًا، من التحالف بين “حزب الله” وبين “التيار الوطني الحر” أرست المعادلة الآتية: “غطيني تا غطيك”. لقد غطّى عون الحزب، عندما كان زعيماً للتيار ثم بعدما أصبح رئيسًا للجمهورية، في كل شيء، بدءًا من الهيمنة على كل مفاصل السلطة وصولاً إلى تحويل لبنان قاعدة لحروب إيران في المنطقة ومنصة لتبييض الأموال وتصدير المخدرات. وفي المقابل، غطى الحزب التيار كي يسرح في المال العام من خلال حقيبة وزارة الطاقة وما تعنيه من عشرات المليارات من الدولارات التي تبخّرت على يد وزراء التيار وفي مقدمهم رئيس التيار الحالي جبران باسيل.
وفي هذا السياق، كتب مروان إسكندر في مقاله الأسبوعي الأخير في “النهار” يقول:
“إفقار اللبنانيين كان حصيلة التمهيد لهذا العهد منذ 2013. ويمكن القول أنّ التمهيد حصل بتاريخ تسليم شؤون الطاقة إلى “التيار الوطني الحر” وحلفائه، منذ 1999، أي على مدى 22 عامًا حتى تاريخه”.
ومع ذلك، يتقدم وزير الطاقة الحالي وليد فياض، التابع طبعاً للتيار، بخطة يريد أن يحصل بموجبها في العام الأول من تطبيقها على مبلغ مليار و300 مليون دولار أميركي فقط لا غير. لكنه يتعهد بتوفير 10 ساعات تغذية. أما ما تبقى من ساعات اليوم الـ 14، فليتكل اللبنانيون على المولدات الخاصة، وما أدراك ما كلفة المولدات الخاصة.
في سياق متصل، يتداول ناشطون خبراء في شؤون الطاقة المعلومة الاتية: “مشروع Jaitapur الهندي، لبناء أكبر محطة نووية في العالم بـ 6 مفاعلات، سيقوم بإنتاج الكهرباء بقوة 10 جيغاواط، وسيعطي 75 تيراواط ساعة في السنة، ما يكفي حاجة 70 مليون وحدة سكنية، أي ما يعادل العالم العربي كله. التكلفة 13 مليار دولار (ثلث ما أنفقته حكومات لبنان).
ربما سيكون قليلاً القول: عاش “تفاهم” نصرالله – عون 16 عاماً، فكان موت لبنان الذي عرفناه منذ قديم الزمان!
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |