زيارة فاتيكانية غير عادية… هل من تنسيق بين الكرسي الرسولي مع الخليج لمؤتمر دولي حول لبنان؟
كتبت يارا الهندي لـ “هنا لبنان” :
بعد زيارة أمين سر الكرسي الرسولي للعلاقات بين الدول في الفاتيكان المونسنيور ريتشارد بول غالاغير إلى لبنان، والرسائل التي حملها معه من البابا فرنسيس إلى جميع اللبنانيين والقادة، كثر الحديث عن مؤتمر دولي برعاية الفاتيكان وبالتعاون مع دول الخليج لمساعدة لبنان. فالفاتيكان حريص على ألّا يكون لبنان عرضة للمقايضة والمساومة كما أن البابا يريد حماية الهوية اللبنانية التعددية.
لذلك، يؤكد المدير التنفيذي لـ “ملتقى التأثير المدني” زياد الصّائغ لـ “هنا لبنان”، أن “الفاتيكان يقوم بعمل دبلوماسي مستمر منذ أكثر من عامين وبشكل مكثّف، بالتعاون مع عواصم القرار أي مع الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، الألمان والفرنسيين، الروس والإنكليز والأمم المتحدة وجامعة الدّول العربية، ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي وتحديدًا السعودية والإمارات والكويت، ومن خلال مجموعة الدعم الدولية الخاصة بلبنان المعنية بمواكبة الوضع اللبناني بكل تعقيداته”.
فالكلام عن مؤتمر دولي حول لبنان، يعتبره الصّائغ “تبسيطاً إن لم يقترن بخارطة طريق عملانيّة، مع الاعتراف بأنّ القضيّة الّلبنانيّة دخلت حيّز التدويل منذ أكثر من عام، كما أنّ بيان مجلس الأمن الأخير ذكر أنه على لبنان تطبيق القرارات الدولية وعلى الحكومة اللبنانية اتخاذ خطوات ملموسة، والالتزام بالنأي بالنفس، كما على الحكومة اتخاذ إجراءات إصلاحية إلى جانب إجراء الانتخابات النيابية بموعدها بشكل شفاف ونزيه وإنجاز التحقيق بانفجار المرفأ.
فمن يراجع الورقة الكويتية، وما عبّر عنه المطران غالاغير في زيارته، يلاحظ أن الفاتيكان يقود مسعًى دبلوماسيًّا للحفاظ على الهويّة اللبنانية ليس انطلاقًا من مصالح خاصة، بل بالاستناد إلى واجب أخلاقي حضاري. وهذا المسعى يؤدّي إلى تعاون فاتيكاني حتمًا مع المجموعة العربية في الأمم المتحدة، ومجلس الأمن لرفع مستوى النقاش حول القضية اللبنانية إلى المستوى الكياني المرتبط بالأمن والسلام الإقليمي والدّولي”، بحسب الصّائغ.
ويضيف الصّائغ “الفاتيكان الذي يمتلك دبلوماسية أخلاقية، يعمل من خلال المؤسسات الدّولية الرسمية، ومن ينظر إلى مسار الأمور يلاحظ التلاقي الحاصل مع رؤية المجموعة العربية للبنان، والتي تنطلق من المصلحة الوطنية اللبنانية أوّلاً وليس العربيّة فقط. فلبنان يعاني حالة انقلاب على الدستور، واستباحة كاملة لسيادته من تحالف المافيا والميليشيا، ويواجه محاولة لتغيير هويته واختباره التاريخي، وانعدام وجود عدالة، وتهجير منظّم لشعبه. فهو أصبح يشكل تهديدًا للسلم الإقليمي والدولي، والفاتيكان يريد عودة لبنان لدوره السابق المتمثّل بصلة الوصل بين الشرق والغرب، ولعب دور الحوار، والتفاعل، وبناء السّلام، وصون التنوّع، وتأكيد فاعليّة الحياد الإيجابيّ”.
ويسأل الصّائغ “من أَوْلى من الأمم المتحدة، وجامعة الدّول العربيّة، والفاتيكان من أن يقوموا بهذا الدّور، خصوصًا وأن لبنان عضو مؤسس في الأمم المتحدة وفي جامعة الدّول العربيّة. من هنا فإنّ أيّ مؤتمر دوليّ أو جلسة خاصة لمجلس الأمن بالتنسيق مع المجموعة العربية هما سيناريو مرتقب، ولكن لا شيء مؤكّد في هذا الخصوص حتى الآن، ولا مواعيد محددة”.
أمّا عن الزيارة المرتقبة للبابا فرنسيس إلى لبنان، فيؤكد الصّائغ أنّ “رغبة الحبر الأعظم بزياة لبنان أكيدة، لكن موعد الزيارة النهائي متروك له، والأمر يأتي نتيجة دراسة هادئة يقوم بها الفاتيكان لتحديد البصمة التاريخية الرسولية التي ستتركها الزيارة لإعادة استنهاض القضية اللبنانية”.
في السياق نفسه، يؤكد د. ناجي قزيلي الخبير في شؤون الكرسي الرسولي لـ”هنا لبنان”، أن الزيارات البابوية يتم التحضير لها قبل 8 أو 9 أشهر لكونها زيارات غير عادية، يلتقي خلالها البابا مسؤولين سياسيين، وروحيين، وكذلك الشعب.
فلا زيارة للبابا فرنسيس إلى دولة تُقام فيها انتخابات، أو خلال ما يُعرف “بالسّنة الانتخابية”، كي لا تفسر وتُستغل الزيارة من قبل فريق على حساب فريق آخر. والبابا يتفادى التلاقي بأحد المرشحين، بحسب قزيلي، علمًا أن لبنان سيشهد على الانتخابات النيابية والرئاسية.
وبحسب قراءة د. قزيلي للزيارة، يلفت إلى أنها ستكون بعد الانتخابات الرئاسية، مع عهد جديد ومرتكزات جديدة لاستنهاض وتعافي لبنان وتكون المبادرة الفاتيكانية حينها أثمرت، عندها يزور البابا لبنان ويتوّج هذه الزيارة بانطلاقة البلاد نحو التعافي. كما الكلام عن زيارته لبنان في حزيران أو في فصل الصيف المقبل، أمرٌ غير صحيح، وهي لن تتم قبل أواخر 2022 أو النصف الأول من العام 2023.
فالبابا فرنسيس تهمّه الهوية اللبنانية وهذا الوطن يجب أن يكون للجميع بالتساوي. فانطلاقًا من هنا، تَحرُك الفاتيكان، بحسب د. قزيلي، لا يكون لضمان مصلحة المسيحيين على حساب المسلمين. ولكون البابا رئيس دولة لديه الحق أن يتواصل مع رؤساء دول العالم كلها واضعًا لبنان أولوية لديه لأنه يمر بأزمة وجودية.
إذاً رسالة الفاتيكان اليوم تتلخص بوضع القادة اللبنانيين على حدّهم، مع استعداد الحبر الأعظم للدعوة أو المشاركة بحوار لبناني – لبناني. فالفاتيكان لا يتدخل بشؤون أي دولة من دون طلب الأخيرة له، ويعمل بصورة حكيمة بعيدة عن الأضواء، وهو اليوم لأول مرة يطرح المبادرة لتبني هذا الحوار لمصلحة اللبنانيين.
مواضيع مماثلة للكاتب:
ميقاتي وصفقة المليار يورو… على “ظهر اللبنانيين” | قنبلة الذوق الحراري: مواد كيميائية تنذر بكارثة جديدة في لبنان! | “دورة خفراء في الجمارك” تثير الجدل مجددًا… فهل يتم إقصاء المسيحيين من وظائف الدولة؟ |