آخر معارك الدرّاجة العونية
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
هل هي آخر المعارك التي يشنّها راكب الدرّاجة الهوائية في آخر عهده الذي تميّز بكثرة المعارك الدخانية وكثافة الشعارات، وهزالة الإنجازات، ووضوح الانهيارات؟ سؤالٌ يطرح نفسه في سياق الحملة التي يشنّها فريق عون على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، التي يأمل منها عون الإطاحة بسلامة في مجلس الوزراء وتعيين حاكمٍ باسيليّ، يضمن الصهر في مرحلةٍ انتقاليةٍ مدمّرةٍ غامضة النهايات.
راكب الدرّاجة الهوائية، هو التّوصيف الحرفيّ لِرحلة عون القبطان من العام 1989 إلى نهايات عهده الميمون. راكب الدراجة الهوائية يدعس على دوّاسات الدراجة كلّما شعر أنّها تميل إلى الوقوع، لا يفعل أكثر من الهروب إلى الأمام، لأن لا وسيلة له للبقاء إلّا بفتح المعارك الإلهائية، فهو يعرف أنّه عندما تتوقّف الدوّاسات عن الدوران يقع مع الدراجة، لذلك الأفضل له دائمًا أن يهرب بها إلى الأمام، بغضّ النظر إلى أين يقود الدراجة، طالما هو قادر على القفز إلى سفارةٍ ما في اللحظة المناسبة. هذه إحدى عِبَر حرب التحرير، والمواجهة مع القوات اللبنانية في العام 1990 .
من غرائب عون، أنّه قال مؤخّراً أنّ الوصول إلى بعبدا “مش أكلة”، فلأجل تلك الأكلة ضحّى الرئيس القويّ بشعبٍ بأكمله، فخاض الحروب بالشعارات البرّاقة وانقلب على الشعار تلو الآخر، فبعد حرب التحرير تعاون مع غازي كنعان في حرب الإلغاء، وبعد العودة بهيئة ديغول تايواني، تحالف مع الميليشيا والوصاية، كلّ ذلك كي يتذوّق تلك الأكلة، وها هو اليوم، يريد إطعامها لصهره، في وقت يسخّف منها، إذا ما اقتربت من النائب الوزير سليمان فرنجية والعماد جوزيف عون.
كم كلّفت هذه الأكلة المسيحيين واللبنانيين من مآسٍ، وكم كان ثمنها باهظاً!
حربان هجّرتا أكثر من 400 ألف مسيحيّ، انتهت أوّلها بتوقيع اتّفاق الطائف، وقضت الثانية على الأخضر واليابس، وانتهت بعودة ديغول التايواني على حصان الممانعة، بعد أن أقنعه حلف طهران، بأنّ في الفريق الآخر عشرون مُرشّحاً رئاسياً، أمّا في فريق الممانعة فسيكون هناك مرشّحٌ واحد، وآكل أكلةٍ واحد، وهكذا كان.
في استعراضٍ لنهاية عهد عون يمكن بسهولة استخلاص طريق الدراجة الرئاسية وراكبها. غيومٌ سوداء تحوم فوق مستقبل الصهر، ناتجةٌ عن إفلاس الشعارات على يد الوقائع. هذا الإفلاس يرتّب على بطل الشعارات أن يبتدع معارك ومعارك لعل إحداها تقع موقعاً حسناً ممّن صدّقوا كذبة الإصلاح والتغيير ومن اكتووا بنار التناقض بين رجل الدولة الموهوم وبين الركن الأصيل في المنظومة، الذي وإن انضمّ مؤخَّرًا أي في العام 2008 إلّا أنّ براعته قد سبقت الأوّلين وتجاوزتهم، ووزارتا الطاقة والاتصالات شاهدتان، والزبائنية في كلّ الإدارات التي استلمها الفريق العوني شاهدةٌ حيّة.
الغيوم السوداء تنبئ بانشطار الكتلة النيابية إلى أقلّ من النصف، ذلك على الرغم من الإسعافات الأوّلية التي سيقدّمها حزب الله في أكثر من دائرة، كما أنّها تنبئ بأنّ حلم التوريث الرئاسي أصبح بعيداً، فالحليف المسلّح يمتنع عن إعطاء وعدٍ صادقٍ للصهر، وهذا ما يؤرّق عون، ويدفعه إلى فتح المعارك المفيدة، للاستعداد للانتخابات، إذا لم يلغِها حزب الله، بأكبر قدرٍ ممكنٍ من الشعبوية، وبإمساك مفاتيح أساسية، لعل أبرزها حاكمية مصرف لبنان، باعتبار أنّ هذا الموقع ممكنٌ هزّه خلافاً لقيادة الجيش التي حاول فيها التعرّض للعماد جوزيف عون ثمّ فشل وانكفأ.
ليست معركة عون مع حاكم مصرف لبنان مبدئية، فهو يهادن ويتحالف مع من يؤمّن مصالحه، ويواجه من يقف عقبةً في وجهه، ولو كانت مبدئيّةً لوجب سؤاله عن السبب الذي دفعه للتمديد للحاكم رياض سلامة بالإجماع في مجلس الوزراء. معركة عون مع سلامة ملخّصها تعيين حاكمٍ جديدٍ يسمّيه باسيل، ويؤمّن له التحكّم بواحدٍ من أهمّ المواقع في الدولة، فهو يعرف أن صندوق باندورا الفساد إذا ما فُتح فإنه لن يستثني إلّا القلّة القليلة من الذين مارسوا الشأن العام، أمّا وزارة الطاقة قبل وبعد العام 2008 ، فهي تحتلّ الأولوية في قائمة ملفٍّ من أضخم ملفّات الفساد.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |