يا سادة… إليكم نتيجة دعوتكم لنا للزراعة في بيوتنا وأراضينا!
كتبت ريتا بريدي لـ “هنا لبنان” :
منذ أكثر من سنتَين واللّبنانيّون يعيشون حالة من المجاعة التي تتأرجح بين الخفيّة والظاهرة، حيث أنّ الشريحة الأكبر من المجتمع اللّبناني تبحث بشكلٍ يوميّ عن مصدر لتأمين القوت الكافي لعائلاتها التي ينام العديد من أطفالها بلا لقمة العشاء في ليالٍ كثيرة. مشاهد وأصوات لا يُمكن اختصارها بكلماتٍ بسيطة، لأنّها تُعبّر عن وجعٍ كبير لا يفهمه إلّا مَن اختبر فعلاً الجوع وسَمِعَت آذانه ألم الذين يطلبون ما يسنِد بطونهم الفارغة.
هذا الوطن، الذي شَهِدَ التاريخ، منذ آلاف السنين، على خصوبة أرضه، وجمال طبيعته وغِناها، وكرم ثمارها؛ هذا الوطن الذي كان مصدراً وباباً تجاريًّا مهمًّا للشرق كلّه في العصور القديمة؛ هذا الوطن الذي اشتهر بغزارة مياهه العذبة وقداسة تُربتِهِ؛ أبناؤه اليوم، وللأسف الشديد، جائعون،… نعم، جائعون بكلّ ما للكلمة من معنى.
وما لبِثَ المسؤولون الأعزّاء في وطننا، منذ تفاقم الأوضاع وحتّى السّاعة، يملون علينا بنصائحهم الغذائيّة والزراعيّة وكيفية تنقلاتنا وغيرها من التفاصيل لأسلوب حياتنا، ويقدّمون لنا نظريّاتهم، لا بل ويحاولون بتمثيليّاتهم أن يكونوا “مَثلاً” أمامنا في أهميّة العودة إلى الزراعة والأرض لتأمين حاجات المواطن اللّبنانيّ الغذائيّة، بل بالأحرى فلنقُل لترقيع ما أنتجته سياساتهم الفاسدة.
فبالعودة إلى عام 2019، عندما بدأت الأزمات في لبنان تنهال على الشعب تباعاً، دُعينا للزراعة في الأراضي التي نملكها أو حتّى على الشرفة، دُعينا لنتعلّم كيفية زراعة الخضار والفواكه على شرفات منزلنا علّنا نخفف من وطأة الكوارث المتتالية التي نزلت كالصاععة على بيوتنا وأرزاقنا، كما دُعينا لترك كل طموحاتنا ودراستنا وأعمالنا ومشاريعنا فقط من أجل جهاد زراعي لم نفهم بعد أهدافه الأساسية لحياتنا.
ومع هذا الطلب الذي فجّر الإنتقادات وردود الفعل الغاضبة يومها على مواقع التواصل الإجتماعي، لا زال المواطن اللبناني منذ ذلك الوقت حتى اليوم يسأل: “هل فعلاً أريد العيش هكذا في لبنان؟”، مع تساؤلات عدّة حول إمكانية الصمود والإستمرارية أو أننا مجرد أفراد على قيد الحياة في وطنٍ ما عاد يقدّم لنا شيئاً من متطلباتنا اليومية، ما عاد يسأل عن مواطنيه ولا عن أحوالهم.
منطقياً وفي الواقع، العوز والضيق دقّ أبواب الأكثريّة من أبناء الوطن اللّبناني، لم يجدوا أمامهم حلًّا بديلاً لتأمين حاجة الطعام اليوميّة. فالعديد منهم، وحتّى سكّان المناطق الساحليّة الذين لا يملكون أرضاً زراعيّة حول منازلهم المكتظّة في الشوارع الضيّقة، لجؤوا إلى الزراعة، ولو البسيطة منها، علّهم يحصدون ولو القليل من البقول للقيام بوجبةٍ خفيفة.
ولكن، حتّى متى…؟
أتذكّر إحدى السيّدات التي عاشت مأساة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، والتي حكت ما حصل معها في أحد البرامج التلفزيونيّة، حيث كانت في تلك اللّحظة المؤلمة على شرفة منزلها مع والدتها تتفقّدان زرع شتلات البندورة في الأحواض الصغيرة، مردِّدةً بعد الانفجار: “قالولنا ازرعوا، زرعنا! طار البلكون، وطار الزرع وطاروا البندورات”.
ومع عِلمنا المُتقَن بأنَّ مشروع الزراعة في البيوت لم يؤتِ ثمراً، إلّا أنّنا، وللإضاءة على هذا الأمر أكثر وبشكلٍ موضوعيّ، كان لنا حديثٌ مع المرشد الزراعيّ ونقيب مزارعي الأزهار والشتول في لبنان سابقاً السيّد جوزيف بو زيد الذي أشار الى أنّ الزراعة عموماً تستلزم دراسة ومعرفة، وفي الأزمة التي يعيشها لبنان تم توجيه دعوة للمواطنين للزراعة في منازلهم والعودة للأرض بسبب نقص الأمن الغذائي لدى الدولة، وعندها تذكر المسؤولون أنّ الزراعة ركن أساسي في الإقتصاد وهي ضرورية.
أمّا عن أسباب فشل هذه الخطوة فيقول بو زيد أنّ الزراعة في البيوت على الشرفات تقابلها العوامل المتعددة التي تؤدي في الكثير من الأحيان لعدم نمو الشتول كنوعِ التربة التي يتم إستخدامها، كمية المياه الدقيقة التي تحتاجها وأشعة الشمس التي تتعرض لها المزروعات، وفي حال أُصيبت بمرضٍ معيّن كيف نعالجها من خلال الأدوية الخاصة بها… أي كل ما تتطلبه هذه الشتول التي نزرعها في أحواضٍ زراعية صغيرة أو محدودة.
ويُشير بو زيد إلى أنّ بعض الأشخاص عمدوا إلى الزراعة وتصفحوا المواقع الإلكترونية ليتعلموا أكثر عن كيفية زرع الشتول في المنازل، ولكن العوامل المرتبطة بِنمو المزروعات أثّرت كثيراً، بالإضافة إلى أن البذور التي كانت في الأسواق من غير المؤصّلة وطريقة استخدامها وكيفية وضعها داخل التربة كانت بشكلٍ غير صحيح. وأغلب الأشخاص زرعوا شتول الخيار والطماطم، ولكن هذه المزروعات أيضاً تحتاج لمعرفة في كيفية العناية بها، فمثلاً البندورة عليها أن تتعطش مع بدء نموها كي تنتج الأزهار ومن ثمّ تمنحنا الثمار، عدا عن أنّها قد تُصاب بالأمراض الفطرية… لذا كل هذه التفاصيل كانت غائبة عن المواطنين ولذلك فشلت أيضاً هذه الخطوة.
ويضيف أنّ المزارع يضع على الأقل مرّة واحدة في السنة السماد على الأرض لتغذيتها وتنقيتها، فكيف يمكن أن تعيش الشتول في الأتربة التي لا يتم الإعتناء بها على مدار السنة؟
أمّا بالنسبة لأهالي الجبال الذين يمتلكون الأراضي، فلا بد أنّ فكرة الزراعة بالطبع نجحت معهم أكثر، بفضل العوامل الطبيعية التي تحصل عليها الطبيعة وتُساهم في حصولهم على الخضار والفواكه.
لذا لتنجح الزراعة يجب على الشخص أن يمتلك الخبرة في هذا المجال، وهنا شدّد بو زيد أنّنا في لبنان لدينا غياب للإرشاد الزراعي أي التوعية الزراعية التي من خلالها يكتسب الناس المهارات في هذا المجال، ويمكن تحقيقها من خلال برامج عبر الشاشة التلفزيونية أو مواقع التواصل الإجتماعي من خلال إختصاصيين ومحترفين في علم الزراعة.
وفي الختام تمنّى بو زيد أنّ يكون المواطن اللبناني تحلّى بالوعي حيال هذا الأمر، وأضاف أنّ هناك مسؤولية عند الدولة لتأمين الأمن الغذائي للمواطنين في الأزمة، كما عليها تشجيع المزارعين لتصريف إنتاجهم في الأسواق بدل الإستيراد الخارجي للمنتجات.
أخيراً، لا ننكر بتاتاً أنّ أرض لبناننا مقدّسة، وتُربتها الخصبة لا يجب إهمالها، وبأنّ الزراعة مصدرٌ أساسيّ يجب الاعتناء به، ولكن احترموا عقولنا قليلاً! القطاع الزراعي يجب أن يُعمل عليه بشكلٍ رسميّ من قِبَل الإختصاصيين في هذا المجال المهم ومن قِبَل المسؤولين أيضاً، بشكلٍ جادّ، من أجل إنماءٍ زراعيّ يشمل الوطن بأسره ولربمّا يعود ليكون مصدراً للخارج، لا أن يكون حلًّا للجوع الذي ينهش الأطفال والعائلات، ولا حتى تغطية لفساد دولة لا تستطيع إطعام شعبها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
في اليوم العالمي للشطرنج: فوائده تفوق التوقعات! | “أهذا حقاً في لبنان؟”.. الهايكينغ يكتسح البلدات اللبنانية ويكشف جمالها! | احتفالاً بأسبوع الأصمّ العربي.. ملتقى “أوتار الصمّ” في الشارقة |