“السيد” وخطاب “إيراني” آخر!


كتبت رولا حداد لـ “هنا لبنان” :

استمعت مساء الثلاثاء إلى خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. أعدت قراءته فور نشره كاملاً. بحثت وتمعّنت ودققت علّني أجد في طيّات مواقفه الإقليمية أي مصلحة للبنان، فلم أجد غير عبارة جوفاء فارغة من أي مضمون يقول فيها إن “حزب الله قراره لبناني ويأخذ مصالح لبنان ومصالح شعبه بشكل أساسي وله أن يكون صديقاً وحليفاً مع إيران وهذا لا يلزمه بشيء”.
هذه العبارة الشكلية واللفظية لا تلزم “حزب الله” بأي مصلحة لبنانية كونه، وباعتراف أمينه العام وجميع قادته ومسؤوليه، يلتزم ليس فقط بأوامر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران بل أيضاً بما يعتقد أنها رغباته. صحيح أن عناصر الحزب وقيادته لبنانيو الهوية لكن انتماءهم هو لمشروع ولاية الفقيه الفارسي، والدليل الأبرز المعبّر في عمق الانتماء ولو كان شكلياً هو أن رئيس كتلة نواب “حزب الله” وإعلامييه وكوادره يذرفون الدموع على أطفال اليمن لا على أطفال لبنان. نصرالله بنفسه قال: “مشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره كوننا مؤمنين عقائديين هو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه”. نصرالله قال أيضاً إنه لا يبقى لحظة في “حزب الله” لو لم يكن لديه “يقين وقطع بأن هذه الأجهزة تتصل عبر مراتب إلى الولي الفقيه القائد المبرئ للذمة الملزم قراره”. وطالما أن السيد نصرالله يستمر بالتزامه الديني العقائدي فإنه من الطبيعي ألا يكون تغيّر أي شيء من ولائه للولي الفقيه في إيران بغض النظر عن كل الشعارات التي يطلقها اليوم للتمويه.
ولكن بعيداً عن المفاهيم الدينية والعقائدية، فلنذهب إلى عمق الأمور المتعلقة بمصلحة لبنان في خطابه الأخير. في السياسة الخارجية هو يقف بوضوح مع الحوثيين وهجومهم على الإمارات العربية المتحدة، في حين أن لبنان الرسمي والشعبي يقف إلى جانب الإمارات وإلى جانب المملكة العربية السعودية بوجه كل الاعتداءات التي تطالها من جماعة الحوثيين. وفي موقف نصرالله هذا لا يأخذ بالحسبان مصالح لبنان واللبنانيين في لبنان وفي الخليج نهائياً إنما ينفذ مصالح إيران.
ويصوّب الأمين العام لـ”حزب الله” على علاقة الجيش بالأميركيين في حين أن مصلحة لبنان العليا تقتضي بأن يكون الجيش على أفضل علاقة مع الأميركيين الذين يسلّحون الجيش ويدرّبونه. يتهم الجيش ضمناً بالعمالة للأميركيين كما يتهم جميع خصومه بالعمالة، وفي هذا الاتهام تحريض لا لبس فيه، في حين أن العمالة الوحيدة المثبتة علناً في لبنان هي عمالته وحزبه المسلح لإيران ضد مصالح لبنان العليا!
حتى في موضوع الانتخابات ما يهمّه منها ليس وصول وجوه جديدة تستعيد الثقة لإنقاذ لبنان من الانهيار المالي والاقتصاد وتأمين حاجات اللبنانيين، بل المطلوب فقط “حماية المقاومة” وتشكيل خط دفاع عن سلاح “حزب الله” ولو على أشلاء الاقتصاد اللبناني وهجرة اللبنانيين. فمهمة كل المؤسسات الدستورية في لبنان أن تشكل غطاء لسلاح الحزب وإلا فلا معنى لوجودها بالنسبة إلى نصرالله!
ليس المهم بالنسبة إلى نصرالله الوضع الاقتصادي في لبنان ولا الأحوال المعيشية للبنانيين ولا أن يصبح راتب الجندي في الجيش اللبناني يوازي أقل من 100 دولار. المهم بالنسبة له أن “حجم القدرات البشرية لدى حزب الله لا مثيل لها في تاريخ حركات المقاومة”، رغم أنه يفعّل “سلاح الدفاع الجوي ليس بهدف إسقاط المسيّرات الإسرائيلية بل لإبعاد خطرها”، في ما يبدو أنه Gentlemen agreement مع “العدو الإسرائيلي”!
هكذا هو نصرالله حريص على عدم إزعاج إسرائيل ويكتفي بلعبة التهديدات المتبادلة معها مع التزامه العلني بالحفاظ على الجبهة الأكثر هدوءًا معها. ولكن في المقابل لا يتردد في خوض المعارك ضد دول الخليج العربي إنطلاقاً من اليمن وفي التحريض عليها، بما يناقض كل المصالح اللبنانية.
خطاب نصرالله الأخير كان يمكن أن يتلوه أي قائد من قادة الحرس الثوري الإيراني من دون أن يغيّر فيه حرفاً. فهذا الخطاب لا يرقى إلى خطاب رئيس حزب لبناني.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us