فيديرالية رغماً عنكم
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان” :
لبنان منقسم أمام المستشار النفطي الأميركي بين رئيس مجلس النواب الموافق على الخط البحري 23 وبين رئيس الجمهورية الداعي لاتخاذ الخط 29 منطلقاً للنقاش، وكأنه يريد العودة إلى مبتدأ المفاوضات، وكأن السنوات العشر الفائتة التي عبرتها لا مكان لها في حسابات الزمن.
ليس في الأمر ما يقلق، طالما اعتاد اللبنانيون على النكايات السياسية والتناتش السياسي، ولو من زاوية المصالح الذاتية، أو الطائفية، أو لتشويه صورة الخصم، واغتياله سياسياً، كما في كذبة تبديد الرئيس فؤاد السنيورة مبلغ 11 مليار دولار، ولم تسجل في قيود وزارة المالية التي كان على رأسها، ويوم استقال مدير عام المالية السابق آلان بيفاني، وهو من الضفة المقابلة سياسياً، أقر بأن كل قرش دخل أو خرج عبر وزارة المال، له قيود واضحة ومن ذلك الـ11 مليار.
عدم اتفاق أطراف النظام اللبناني على الأمور العالقة تنفيذاً وتشريعاً يؤشر إلى أن الطاقم السياسي من أعلى الهرم إلى أسفله، يعتقد ببراءته من وصول البلاد إلى ما هي عليه، وأن لا داعي للعجلة، فلا تخبّط في أزمات اجتماعية واقتصادية ومالية وتربوية، ولا نهب للمال العام والخاص، ولا تفجير لمرفأ بيروت، لذا ما همّ لو علّق التحقيق وانتظر أهالي الشهداء، والعائلات المشردة من بيوتها سنتين وحتى سنوات كي يعرفوا حقيقة ما جرى ويضعوا أعينهم في عيون المجرمين والمرتكبين. وما همّ إذا أضرب المعلمون وموظفو الضمان وغيرهم، طالما أن للدولة، كمؤسسة تمثل الشعب والأرض والجمهورية، أكثر من وجهة نظر في كل موضوع يشغل اللبنانيين، داخلياً أم خارجياً، ولا يطرح في مجلس الوزراء، أو على مجلس النواب فيما تبحث الأمور خارجهما، وتقرّ بـ”تنازلات” متبادلة من كيس الناس والخزينة، والمصلحة العامة، وحين لا يتفقون على المحاصصة يدفع الناس الكلفة من أملاكهم والملك العام وربما حياتهم، وهنا تطل قضية حراس الأحراش، الذين جُمّد توظيفهم لسبب طائفي أعمى فافتقدتهم الأحراش في حرائق العام الفائت.
فيديرالية أخرى يصعب تخطيها في اتجاهين، الأولى فيديرالية الأجهزة الأمنية الرسمية، وبعضها ولد نتيجة فيديرالية الطوائف. صحيح أن مهامها محددة قانوناً لكنها على الأرض يسير بعضها على أقدام بعض، أما الفيديرالية الأخرى فهي بين أغلب هذه الأجهزة وعسس “حزب الله” بحكم الأمر الواقع، ما يوصل إلى الفيديرالية الأمنية، ديموغرافياً وجغرافياً. فخطوط مناطق النفوذ، الطائفي والمذهبي، مرسومة بحراب الحرب السابقة، فيما جاهرت “أمل” و”حزب الله” باستمرار تسلحهما، وادعى ثانيهما دوراً إقليمياً له يريد من اللبنانيين أن يتعايشوا معه كأنه رسالة إلهية ليس لهم سوى التسليم لها وبها، بوهرة السلاح المتفلت.
ستنتهي مفاوضات ترسيم الحدود يوماً إلى اتفاق مناسب بشروط ترضي لبنان وإسرائيل، وما يهم هنا، أنها أتاحت، كما في حالات مماثلة تجلي الفيديرالية اللبنانية بين أهل الدولة أنفسهم، وبينهم وبين أهل الدويلة، سواء من هم عند بابها، أو في لبّها. وهذه المفاوضات تعطي إنطباعاً إضافيا يفيد بأن من يعارض الفيديرالية، يعيشها ويمارسها.
ليس المقال انحيازاً للفيديرالية أو ضدها، بل هو انحياز لحق اللبنانيين في الإستقرار وإدارة شؤونهم بوضوح، ولا يكون ذلك من دون سند اسمه دستور وثيقة الطائف.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |