متحف الشمع في جبيل… أقدم متاحف لبنان
كتبت فاتن الحاج حسن لـ “هنا لبنان”:
من روائع المدينة الأقدم في التاريخ، والتي تعجّ بالآثار من مختلف الحضارات والحقبات وصولاً حتّى يومنا هذا، يلفت نظر كلّ زائرٍ لجبيل متحف فريد في هندسته ومحتوياته، يقع بمقابل القلعة الشامخة وبمحاذاة دير الأنطش ومسجد عبد الحميد.
إنّه متحف الشمع، أقدم متاحف لبنان وأكثرها روعةً وجذباً للسيّاح!
يقع المتحف، في مدينة جبيل (بيبلوس) على بعد 37 كيلومتراً شمالي العاصمة بيروت مقابل قلعة جبيل التاريخيّة.
تأسّس المتحف في أيلول من عام 1967 ودشّنه وزير السياحة آنذاك خاتشيك بابيكيان بتاريخ 28 آب 1970.
يضمّ المتحف مشاهد متعدّدةً من تاريخ لبنان القديم والحديث ومن الفنون الشعبيّة والشخصيّات المعروفة، ممّا يجعله محطّ اهتمامٍ للسيّاح العرب والأجانب ولطلّاب المعرفة من مدارس وجامعات.
يأخذ المتحف زوّاره برحلةٍ عبر تاريخ لبنان منذ الفينيقيّين مروراً بالقرون الوسطى والعصر الحاضر حتّى استقلال لبنان الحديث.
كما تعكس بعض المشاهد حياة القرية اللبنانيّة وعاداتها.
عند دخولك لمتحف الشمع في جبيل يلفتك طابعه التراثيّ الشبيه ببيوت لبنان القديمة التي تتميّز بحجارتها المائلة إلى الإصفرار وببنائها الداخلي المشبوك على شكل “عَقد”.
وما إن تنزل الدرج الجميل الهندسة حتّى يلاقيك سرداب مضيء على اليمين وآخر على الشمال:
فههنا غرفة زجاجيّة يجلس داخلها شخص تحسبه حيّاً ويكاد ينطق أو يتحرّك، فإذا به تمثال شمعيّ يمثّل عبقريّ لبنان جبران خليل جبران جالساً على مكتبه وفي يده ريشة قلمٍ يخطّ بها من أفكاره العظمى!
ولا تطاوعك رجلاكَ للانتقال إلى المشهد الثاني، لكنّك تجد نفسك تتحرّك رغماً عنك لاكتشاف المزيد.
ويأتي مشهد يمثّل فراعنةً يلتقون فينيقيّين بأزياء تلك العصور الغابرة، ومشهد آخر للأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير، وجلسة تجمع الأمير بشير الشهابيّ الثاني ببعض زوّاره وحاشيته، كما ترى حفلةً لبنانيّةً فولكلوريّةً تجمع قرويّين من مختلف الأعمار في حالة رقصٍ وعزفٍ في مناسبة عرسٍ تقليدي.
ولا تكاد تلتقط أنفاسك من جمال وتأثير المشاهد المتتالية، حتّى تنظر إلى الرئيس بشارة الخوري ومن حوله رجالات الاستقلال داخل قضبان قلعة راشيّا، وعلى الجهة الأخرى جنود عثمانيّون يسوقون رجال الدين المسلمين والمسيحيّين إلى ساحة البرج لإعدامهم من ضمن شهداء أيّار.
وتصل بك الجولة مجدّداً إلى مدخل المتحف العجيب، فلا تقوى على مغادرته، فتدخل ثانيةً إليه وتمعن النظر إلى تلك الحجرات التي تضمّ تاريخ لبنان منذ أقدم العصور (إنسان ما قبل التاريخ وإنسان فينيقيا)، وشخصيّاته البارزة، ومن بينها الأديب ميخائيل نعيمة والفنّانَين صباح ووديع الصافي والقدّيس شربل مخلوف وغيرهم.
وفي دردشةٍ مع موظّفَي الاستقبال في المتحف، تبيّن لنا أنّ زوّاره في هذه الآونة يعدّون على أصابع اليد رغم شهرته التي أطبقت الآفاق. ومردّ ذلك هو الخوف من عدوى فيروس كورونا والحالة الاقتصاديّة المتدهورة عموماً وكذلك قلّة السيّاح القادمين إلى لبنان وإلى مدينة جبيل في المرحلة الأخيرة.
إنّ متحف الشمع في جبيل لهو تحفة فنيّة متكاملة وقبلة للزّوار والسيّاح على مدار السنين، ورغم تراجع زوّاره إلّا أنّه صامد بفضل جماله الأخّاذ وأهميّة مضمونه التاريخي والتراثي والثقافي والحضاري.
مواضيع مماثلة للكاتب:
قطاع تربية النحل بين الإهمال الحكومي والاهتمام الأممي | فؤاد شهاب .. “الرئيس القائد”! | متلازمة الفيبروميالجيا: الأسلوب الأفضل للعلاج |