نسف الانتخابات استباقاً لهزيمة عون
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
عندما حذر البطريرك بشارة الراعي من نسف الانتخابات إنّما كان يتحدّث عن معلوماتٍ مؤكّدةٍ تمّ تزويده بها، تُنبِئُ بأنّ العمل جارٍ على قدمٍ وساقٍ لتحقيق الأمر ولا ينقص إلّا الإخراج. فسعي تحالف حزب الله وعون لنسف الانتخابات النيابية لم يعد في منزلة التكهّنات، فالأروقة ملأى بسيناريوهات التأجيل والتمديد، وكلّ ذلك يترافق مع حملةٍ من الرياء اللّفظي الذي يعتمده حزب الله وفريق عون، وكأنّ الطرفيْنِ حريصان على إجراء الانتخابات لثقتهما المفرطة بالنتائج، أي بالاحتفاظ بالأكثرية النيابية.
ما بات معروفاً أن أسباب التأجيل وجيهة، وهي تنطلق من إحصاءات موثوقة، تفيد أن لا أكثرية لهذا التحالف. فإحصاء أصوات المغتربين الموزعين على معظم الأقضية الحساسة دلّت على أنّ فريق عون بالتحديد لن ينال أكثر من 20 بالمئة من هذه الأصوات، وليس قضاء البترون الوحيد الذي يشكّل مأزقاً للتيار الوطني، بل معظم الأقضية المسيحية في الشمال والجبل وبيروت، وهذا ينذر بانشطار كتلة التيار إلى الحد الأدنى، خصوصاً إذا ما لاقى التصويت المحلي تصويت الاغتراب (وهو أمرٌ مرجّح) وعندذاك، سوف يتلقّى حليف حزب الله ضربةً موجعةً، تفقده ادّعاء امتلاك أكثريةٍ مسيحيةٍ وبالتالي ادعاء تمثيل المسيحيين.
هذا التغيير في البيئة المسيحية بات يقلق حزب الله بنفس النسبة التي يؤرّق فيها عون. فالحزب يريد من حليفه المسيحي أن يبقى حليفاً، لا أن يتحوّل إلى قوّةٍ اصطناعيّةٍ، يمدّها بالدّعم كي يبقى قادراً على استثمارها. كما أنّ هذا التغيير يؤرق التيار، الذي يخطّط للاحتفاظ بقوّته قبل أشهر من نهاية ولاية عون الرئاسية، في حين أنّ الانتخابات ونتائجها الهزيلة، قد تُسقط آخر ما تبقى للتيار من ادعاء قوة التمثيل والتأثير.
لهذا كلّه يدرس الحليفان خيار التمديد للمجلس النيابي الحالي، لكن مع التأكيد اللفظي على التمسّك بالانتخابات، وهذا التمديد يستلزم أدوات غير تقليدية لتحقيقه، منها أدوات الفوضى والعبث الأمني بما في ذلك استئناف الاغتيالات.
لا تستبعد مراجع سياسية أن يلجأ حزب الله إلى سلاحه التقليدي، أي إلى الفوضى لفرض التمديد للمجلس النيابي المتهالك، وهذا يمكن أن يحصل في توقيتٍ دقيقٍ ومدروس، أي قبل أيّام من موعد إجراء الانتخابات، وأن يفرض بالتالي على الجميع في الداخل والخارج حتمية التمديد لتعذر إجراء الانتخابات، وهذا يبقى احتمالًا مطروحاً بقوّةٍ، فلقد اعتاد الحزب افتعال الفوضى لسهولة التنصّل من المسؤولية عنها، وتبقى العين هنا على طرابلس والشمال، بعد بروفة داعش، التي ثبت وفقاً لمعلومات ثقة أنّ جهات رسمية دفعت الشبان الطرابلسيين إلى الهرب والالتحاق بداعش بعد تخويفهم من حتمية توقيفهم، كلّ ذلك من أجل تحضير مسرح الشمال لعملٍ أمنيٍّ غبّ الطلب، وقد بات بحوزة العديد من العواصم الغربية معلومات وافية عمّا جرى.
في مقابل خريطة طريق نسف الانتخابات التي يعدّها حزب الله، بدأت تسجّل دينامية دولية، تشدّد على إجراء الانتخابات في موعدها، تحت طائلة وضع كلّ مساهم في التمديد للمجلس النيابي تحت طائلة العقوبات، وقد حصل تواصلٌ مكثّفٌ بين بعض الأطراف في الداخل، ودول غربية وعربية، للمطالبة بتحذير حزب الله وحلفائه بأن قراراً دولياً قيد التحضير سوف يكون أقسى من القرار 1559، وبالتحذير أيضاً بأنّ سيف العقوبات سوف يصل إلى أبعد من معاقبة جبران باسيل وباقي المجموعة التي شملتها اللائحة.
من غير المعروف إذا نجح حزب الله في فرض التمديد للمجلس النيابي، إذا ما كان سيستطيع الحفاظ على ما تبقى من هذا المجلس، وهنا يمكن التأكيد أنّ كتلاً ستستقيل، أولّها كتلة القوات اللبنانية، وكتلة المستقبل التي لن يستطيع معظم أعضائها الاستمرار في المجلس الهزيل، ويبقى السؤال عن موقف النائب وليد جنبلاط من الاستمرار، علماً أنّ صوت النائب وائل أبو فاعور، كان في الأيّام الماضية الأعلى في التحذير من نسف الانتخابات.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |