جبران باسيل ومعركة التوقيع الخامس!
كتبت رولا حداد لـ “هنا لبنان”:
عرف اللبنانيون في الأعوام الأخيرة خلال فترات تأليف الحكومات إصراراً من فريق الثنائي الشيعي على نيل حقيبة وزارة المال وصولاً إلى حدّ المطالبة بحصر أن يكون من يتولاّها من الطائفة الشيعية، انطلاقاً من السعي للحصول على “التوقيع الرابع” دستورياً في اجتهاد من خارج الدستور مبني على مشاورات قيل إنها جرت ولم تُكتب في “الطائف”، على اعتبار أنّ كل مرسوم يصدر يحتاج إلى 4 تواقيع: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير المعني يُضاف إليها توقيع وزير المال على اعتبار أن الأكثرية الساحقة من المراسيم ترتّب أعباءً مالية على الخزينة ما يفترض توقيع وزير المال عليها. وبالتالي نجح الثنائي الشيعي منذ العام 2014 بفرض أن تكون وزارة المال من حصته لتكريس عرف أن تكون من حصة الشيعة مع تعيين علي حسن خليل وزيراً للمالية للمرة الأولى في حكومة الرئيس تمام سلام، وأبقاها في يده منذ ذلك التاريخ ورفض أي مداورة لعدم التخلي عن هذه الحقيبة للإبقاء على “التوقيع الرابع” في يده.
هذه المقدمة الطويلة كانت أكثر من ضرورية لفهم خلفيات المعركة العونية القائمة بوجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. لا تتعلق المعركة بمحاربة الفساد من فريق سياسي تولّى التجديد لرياض سلامة في عهد الرئيس ميشال عون ومن خارج جدول الأعمال بعدما أتمّ عقد الصفقة المتعلقة ببنك “سيدروس” معه. وهي حتماً ليست معركة العهد ضد الفاسدين وخصوصاً أن العهد يحمي أبرز أركانه من المُعاقبين أميركياً بسبب فسادهم وفي طليعتهم صهر العهد النائب جبران باسيل ومتعهد العهد العوني داني خوري. لا يمكن أن تكون معركة الرئيس ميشال عون ضد الفساد في الأشهر الأخيرة من عهده، وخصوصاً أنه كان من حرّك “قاضية العهد” غادة عون لفتح ملفات فساد تتعلق بالرئيس نجيب ميقاتي وعائلته قبل أن تختفي هذه الملفات في أدراج المصالح المشتركة التي دفعت بعون إلى التعاون مع ميقاتي نفسه كرئيس لآخر حكومات العهد.
إنها بكل بساطة معركة تأمين “التوقيع الخامس” لرئيس التيار الوطني الحر قبل انتهاء عهد عمّه. وهذا التوقيع الخامس الذي لا يمكن لباسيل الحصول على غيره كماروني بات خارج السباق الرئاسي بفعل العقوبات الأميركية عليه والفيتو الغربي والعربي، وأيضاً كماروني بات على عداء مع قائد الجيش بعدما حاول مراراً وتكراراً التدخل في عمل الجيش وإلا الإطاحة بالعماد جوزف عون.
نعم، كمسيحي وماروني لم يبقَ لباسيل غير محاولة الإطاحة بحاكم مصرف لبنان وتعيين شخص يدين له بالولاء الأعمى فيه من أجل ضمان السيطرة على “التوقيع الخامس” في الجمهورية، وهو التوقيع النقدي الأكثر من مُلزم في هذه المرحلة من الانهيار المالي والاقتصادي من جهة، ومرحلة المفاوضات مع صندوق النقد والبنك الدولي والدول المانحة حالياً وفي السنوات المقبلة. إنه التوقيع على الاحتياطي الإلزامي الذي رفض رياض سلامة أن يجاري العهد في إنفاقه، وهو التوقيع على مصير ذهب لبنان في حال سمح مجلس النواب بالتصرّف به.
لا ينفع باسيل الكذب بالحديث وكأن التجديد لرياض سلامة في الـ2017 كان أمراً مفروضاً عليهم بذريعة أنهم لا يملكون الأكثرية في مجلس الوزراء، فهل هم يملكونها اليوم لتطييره؟ وهل نسي باسيل كم كان مبتهجًا في الجلسة لدى إقرار ما أصرّ على تسميته يومها تجديدًا وبالإجماع وليس تمديدًا؟ على الأقل في الـ2017 كانت ولاية سلامة انتهت وبالتالي لو أرادوا لكانوا فرضوا التوافق على تعيين حاكم جديد عوض محاولة إفراغ موقع الحاكمية وتعريض لبنان لمخاطر كبرى في أسوأ مرحلة مالية يمرّ بها لبنان منذ نشأته. ونعم سير “التيار الوطني الحر” بالتجديد لسلامة في الـ2017 والدفاع المستميت عنه من أركان العهد حتى العام 2018 إنما أتى مقابل خدمات أدّاها سلامة للفريق العوني ولا داعي لأن يدّعي باسيل المعاقب العفّة!
أمّا بخصوص الإساءة إلى المال العام فلا إساءة في لبنان بإجماع اللبنانيين والمجتمع الدولي أكبر من الإساءة في ملف الكهرباء بإدارة عونية منذ العام 2008 والّذي كلّف الخزينة أكثر من 35 مليار دولار والنزف يستمرّ من دون كهرباء وفي الوقت نفسه يرفض باسيل التخلّي عن وزارة الطاقة!
أما تأكيد باسيل بأن “القضاء الأوروبي ليس عونياً” فيشكل إدانة مباشرة لأداء كل من القاضيين العونيين غادة عون وجان طنوس. ولكن مهلاً فكل ما تم فضحه من الخارج بيّن وجود بصمات عونية فيه من المدير العام السابق للمالية آلان بيفاني مروراً بالسيدة سنكري في ليشتنشتاين وليس انتهاء بالسيدة داناي بابادوبولس في فرنسا واللوكسمبورغ.
إنها معركة “التوقيع الخامس” التي يخوضها باسيل مستعملاً كل بقايا أسلحة العهد العوني بقضاته وجهازه الأمني ووسائل إعلامه، وهو سيقاتل فيها حتى اليوم الأخير من هذا العهد البائد على قاعدة “يا قاتل يا مقتول” لأن عدم نيل باسيل هذا التوقيع سيكون بمثابة نهاية الحياة السياسية لمن بنى حياته على عرقلة البلد لنيل مطالبه وتحقيق مصالحه الخاصة منذ 6 شباط 2006 وما تلاه من استقواء بسلاح “حزب الله” للحصول على مبتغاه مقابل تقديم الغطاء المسيحي لهذا السلاح وصولاً إلى الاستقواء بتوقيع عمّه رئيس الجمهورية للحصول على كل الحقائب الوزارية والتعيينات والصفقات الممكنة. وبسبب جشعه أدركت القوى السياسية المختلفة أن أسوأ ما يمكن أن يحصل هو منح باسيل توقيعًا جديدًا… وهو ما لن يحصل حتماً ولو وصل رئيس “التيار” ومعه رئيس الجمهورية إلى اعتماد سياسة الأرض المحروقة والتسبب بصدامات ميدانية بين الأجهزة الأمنية الشرعية كما اعتاد أن يفعل جنرال بعبدا!
مواضيع مماثلة للكاتب:
المعركة انطلقت… فماذا ستختارون أيها اللبنانيون؟! | الحزب والحكومة… والنظام الجديد! | أسياد… وعبيد! |