بين الغرابة والإحراج والطرافة… موزاييك أسماء عائلاتنا ممهورة ببصمة العثمانيين
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان” :
للعائلات جذور، وللأسماء أصول، لكن الغرابة والطرافة سمتان تطغيان على عشرات العائلات اللبنانية المسجلة في نفوس الأحوال الشخصية، وإذا ما دققنا قليلاً فسنجد أن قلة من العائلات لا تندرج ضمن هذه المجموعات التي تنفرد كل منها بميزة لا تجدها في البقية، فبعضها مشتقة من أنواع الطعام والشراب أو الألوان أو الحيوان أو الطبيعة أو الفاكهة أو النبات أو المهن أو الجغرافيا.
والأمر لا يتوقف هنا، فهو أدى ببعض العائلات إلى ارتكاب جرائم قتل، بسبب الإزعاج التي كانت تسببه أسماء بعض العائلات لأصحابها، وسخرية الناس منهم. وهذا ما يؤكده المؤرخ البيروتي مختار عيتاني في إحدى كتاباته التي أشارت إلى وقوع إشكالات بينهم وبين عائلات أخرى انتهى بعضها بجريمة قتل.
الإنزعاج دفع ببعض العائلات إلى رفع شكوى أمام المحاكم المدنية بهدف تغيير إسم العائلة ومن بينها عائلة “جهشان” التي يعود أصلها إلى “جحشان” وعائلة إسرائيل…
ويعلق الدكتور نزيه الخياط الأستاذ في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية في حديث لـ “هنا لبنان” وراء كل اسم عائلة لبنانية أو عربية قصة، ولكل منها تاريخها وروايتها التي تحكي أصولها وجذورها، فحتى العائلة الواحدة انقسمت بسبب ظروف إجتماعية أو مناطقية أو اقتصادية إلى 3 أو 4 عائلات، في حين تعود جذور بعض العائلات إلى طائفة ما، ومع ذلك نجدها موجودة في أكثر من طائفة، والسبب في ذلك الظروف السياسية والإجتماعية”.
إلى أي مجموعة أنتمي؟ سؤال تثيره حشريتك عند قراءتك لأسماء العائلات الموزعة حسب الميزة التي تنفرد بها فمنها العائلات الشهية: “فتوش، كبة، طحيني، عجة، عسل، دبس، سنيورة، شمندر، بطيخ، برازق، شوربا، حلاوي، يقطين، فليفل، كوسا، كمون، ترمس”؛ والعائلات النباتية: “بلوط، زعرور، سنديان، زيتون، عليق”.
في المقابل هناك العائلات اللبنانية السعيدة مثلاً: “بشاشة، فرح، سعد، سرور، سعيد، سعود، مسعد، مسعود، أسعد، مبسوط، فرحان”، كذلك هناك العائلات المستوحاة من المناطق الجغرافية: “بيروتي، جزيني، طرابلسي، معلولي، مزبودي، جوني، شحيمي، حلبي، بعلبكي، بغدادي، نابلسي، دمشقي، مغربي، مصري، غزاوي، شوفي، بقاعي، حجازي، بتروني، خيامي، حمصي، حموي”.
ويتبين من سجلات النفوس وجود نسبة كبيرة من العائلات حملت أسماء مشتقة من المهن: “نجار، حداد ، عمار، حلاب، معماري، صياد، خشاب، حطاب، خباز، طحان، خياط، نحاس، زيات، صايغ، جمال، ملاح، حلاق، لحام، معاز، وراق، حكيم، بيطار “.
هذا الموزاييك في أسماء العائلات الممتد ساحلاً وجبلاً وسهلاً يعيده الخياط إلى موجات الهجرة السكانية التي شهدها لبنان في العهد العثماني من عدة مناطق وبلدان منها سوريا، فلسطين، الأردن، العراق، مصر وبلدان المغرب العربي إضافة إلى تركيا. كما شهد لبنان توطين وتجنيس الكثير من غير اللبنانيين في أوائل القرن العشرين، وبدأ يشهد لبنان تكوناً ديمغرافياً سكانياً في مدنه، لهذا شهدنا هذا التنوع الديني ضمن القبيلة أو العائلة الواحدة .
ووفق الخياط فإن بعض العائلات اللبنانية غيرت دينها ومذهبها، وحافظت على اسم عائلتها، علماً أن بعض العائلات قامت بتغيير أسمائها ليس رغبة منها، بل إستناداً إلى منطقة جديدة توطنت فيها وعرفت فيها لاحقاً، أو استناداً إلى مهنتها أو أي وظيفة عثمانية تقلدتها سواء بالمجال الاجتماعي أو العسكري أو نسبة لصفة الجد الأول.
كما وتشمل المجموعات عائلات تعكس الصفات والطباع البشرية مثل عائلة ظريف وفرح وبسمة وبشاشة وسعيد والمبسوط وأبو سعادة وشجاع، وعائلات تنتمي إلى عائلة الألوان مثال: أصفر، صفير، الأبيض، الأحمر، أبو شقرا، الأسمر، الرمادي، زريق، أبو خضر”، من دون أن ننسى العائلات التي تحمل الصفات الجسدية أو العاهات مثل الأعور، الأخرس، الخرسا، الأطرش”.
ويختم الخياط مؤكداً أن الأثر الكبير في الغرابة والطرافة في هذه المسألة يبقى للعهد العثماني، والذي لم تسلم منه معظم العائلات اللبنانية لا سيما البيروتية والصيداوية والطرابلسية والبقاعية حيث تعكس أسماء العائلات الدول والمناطق التي أتت منها، كذلك نلحظ أسماء عائلات مشتقة من الأيام والفصول مثل خميس وجمعة ومحرم وشعبان ورمضان، وعائلات إرتبطت أسماؤها بالنكهة والطعم مثل المر والحلو والمالح، كذلك عائلات تتعلق أسماؤها بالديانات مثل بشارة، المسيحي، مسلماني، الدرزي، القبطي، الفقيه، المفتي.
وعلى الرغم من هذا الاختلاف الكبير في الميزة التي تنفرد بها كل عائلة عن أخرى، يبقى هذا التنوع يشكل واحداً من أسرار التنوع الحضاري والثقافي والديني الذي لطالما تغنى فيه اللبنانيون أينما حلوا وفي كل بلد من بلدان الهجرة والاغتراب.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |