حلول لمواجهة رفع تسعيرة الكهرباء والاتصالات.. هل تسير الدولة بها أم علينا “التحمّل”؟
كتبت بشرى الوجه لـ “هنا لبنان” :
تستمر الدولة اللبنانية منذ العام 2019 في تحميل المواطن اللبناني أعباء الأزمة الإقتصادية والمالية، متجاهلة أنّ فساد السياسيين هو سبب المذابح المالية التي تحصل كل يوم.
وآخر الأعباء المالية التي ستهلك المواطنين أكثر هي كلفة خدمات الكهرباء والإتصالات، لأنّ “الدولة لم تعد قادرة على تزويد مواطنيها بخدمات الكهرباء والاتصالات بالشكل المجانيّ لعدم وجود الأموال الكافية لذلك”، كما صرّح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
لكنّ هل من الطبيعي أن يتحمّل المواطن إيصالات باهظة لكهرباء ليست موجودة في البلد أصلًا، وفواتير غالية لإتصالات بأسوأ الخدمات؟ وما هي الإجراءات الواجب على الدولة اتخاذها بالتوازي مع خطوة رفع التسعيرات لتحسين جودة الخدمات وتخفيض الفواتير؟
“فواتير خدمات الدولة يجب رفعها.. لا حل آخر”، يقول الخبير الإقتصادي باتريك مارديني لـ”هنا لبنان”، ويشرح: “إنّ سبب انقطاع الكهرباء هو أن مؤسسة كهرباء لبنان تبيع الكهرباء بخسارة، وبالتالي هي لا تستطيع الحصول على مداخيل كافية من سعر مبيع الكهرباء حتّى تتمكّن من شراء الفيول لتشغيل المعامل المطفأة، وطبعًا هذا لا يخفي وجود أسباب أخرى مثل مشاكل الجباية والهدر”.
الأمر نفسه يحصل في قطاع الإتصالات، إذ يوضح مارديني أنه “قبل الأزمة الإقتصادية كان سعر الاتصالات مرتفعًا نسبيًا وقادرًا على تغطية الكلفة التشغيلية للإتصالات، لكنّ بعد الأزمة، أصبح سعر الاتصالات منخفضًا جداً، وصارت الدولة تبيع الخدمة بخسارة، وذلك أدّى إلى نقص في السيولة الكافية لشراء المحروقات وساعات الإنترنت التي تُشترى من الخارج”.
ويضيف: “هذا يقودنا إلى وجوب رفع التسعيرة وإلّا خدمة الاتصالات ستنقطع كما خدمة الكهرباء، فهي في الأصل ساءت إذ يعاني المواطنون من تعطّل وبطء في خدمة الإنترنت ورداءة في شبكة الاتصالات، بسبب انخفاض الفواتير”.
ويؤكد مارديني أنّه “عندما ترتفع فواتير الاتصالات يجب أن تعود الخدمات الجيدة، والأمر نفسه بالنسبة للكهرباء، وبالتالي هذه الخطوة ضرورية لأنّ البلد لا يقدر على السير نحو النمو والازدهار في حال فقدان هاتين الخدمتين”.
الفساد والاحتكار.. سبب ارتفاع الكلفة
يؤكّد مارديني أنّ “كلفة الخدمات في لبنان هي أصلًا مرتفعة بسبب الهدر والفساد، وبسبب الحشو والتوظيفات الزبائنية على أساس انتخابي ومحسوبيات، وهذا يؤدي إلى كثرة المعاشات المتوجّب دفعها وبالتالي إلى رفع التسعيرة لتغطيتها، لذلك يجب بالتوزازي مع رفع التعرفة تخفيض الكلفة التشغيلية للكهرباء وللإتصالات”.
ويشرح أكثر عن أسباب ارتفاع كلفة الخدمات، فيقول مارديني إنّ “صفقات الفيول في الكهرباء وشراء المحروقات بكلفة عالية، وبناء منشآت الكهرباء والاتصالات بصفقات عمومية تشوبها شبهات الفساد، وشركات تشغيل هذه المرافق العامة أيضًا يشوب عقودها شبهات فساد، وبالتالي دفع المواطن ثمنها أكثر من ما هو لازم”، مؤكدًا أن “هذه الأسباب مجتمعةً تجعل من كلفة الكهرباء مرتفعة، وبالتالي يجب بالتوازي مع رفع التسعيرة العمل على الإصلاحات حتّى تنخفض الكلفة”.
أمّا أسباب سوء نوعية الخدمات وارتفاع أسعارها، فيُرجعها مارديني إلى احتكار الدولة للقطاعات، إذ أن نتيجة أي احتكار في أي مجال هي واحدة: ارتفاع السعر وتراجع الخدمة. وهذا بالتحديد ما يحصل في الكهرباء والاتصالات في لبنان.
ويوضح مارديني أن “مؤسسة كهرباء لبنان تحتكر الكهرباء، وشركة أوجيرو تحتكر شق الإنترنت بالاتصالات، والدولة تحتكر الاتصالات اللاسلكية عبر توكيل تشغيلها لشركتي “ألفا” و”تاتش”، وبالتالي احتكارات الدولة في هذه القطاعات تجعل من الكلفة مرتفعة والنوعية رديئة”.
ما الحل؟
“يجب تفكيك الاحتكارات وفتح القطاعات على المنافسة، بالتوازي مع رفع التعرفة وتخفيض التكلفة”، يقول مارديني، ويتابع: “في كل بلدان العالم الشركات تتنافس لإقناع المواطن ليشتري كهرباء منها، مثلًا في بريطانيا يوجد 40 شركة تتواصل مع المواطنين لشراء الكهرباء، بينما في لبنان ففي حال كانت خدمة الكهرباء سيئة أو سعرها مرتفع أو الاثنين معاً، لا يستطيع المواطن أن يغيّر الشركة لأنه لا يوجد غيرها، فلا حل إلّا عن طريق المنافسة بين الشركات والتي تؤدي إلى تدني التسعيرات، لأنه عند رفع الشركة للسعر أو عند تراجع خدماتها، المواطن يتركها وينتقل إلى شركة أخرى”.
الأمر نفسه ينسحب أيضًا على شركة أوجيرو في ما يخص قطاع الانترنت، إذ يقول مارديني: “صحيح أنه هناك شركات تقوم بتوزيع الإنترنت إلّا أنّها مجبرة على شرائها من أوجيرو، وبالتالي شركة أوجيرو باحتكارها للإنترنت هي قادرة على إعطاء خدمة سيئة ووضع سعر مرتفع، أو أن يكون لديها هدر كبير وتضخم بالكلفة بسبب عدم وجود منافس لها”.
إذن، العمل على الإصلاحات الرامية إلى مكافحة الفساد والهدر الحاصلين في قطاعي الكهرباء والإتصالات من جهة، والسماح لشركات منافسة في الدخول إلى القطاعين من جهة أخرى، قد يكونان الحل لأزمة ارتفاع فاتورتي الكهرباء والإتصالات. فهل تعمل الدولة على الإصلاح أم أنّها فقط تتخذ القرارات التي تزيد الأعباء على المواطنين وتطلب منهم التحمّل
مواضيع مماثلة للكاتب:
نبيل مملوك.. صحافي تحت تهمة “الرأي المخالف” | استهداف الجيش وقائده في غير محلّه.. “اتهامات سطحية لدواعٍ سياسية” | إسرائيل “تنهي الحياة” في القرى الحدودية.. ما الهدف من هذا التدمير الممنهج؟ |