الرسالة والفكرة الآيلة إلى السقوط!
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
لا يمكن وصف حالة التدمير المنهجي للمؤسسات والدولة في لبنان خارج إطار ما تخطط له المشاريع الإقليميّة التي لا تكترث للبنان التاريخي، لا بل هي ترمي من خلال ممارسة حلفائها في الداخل إلى القيام بكل ما يلزم لتدمير البلاد وحرفها نحو المسارات التي تتطابق مع رؤيتها، وهي رؤية لا تتناسب، بطبيعة الحال، مع الخيارات التي تتبنّاها الأغلبيّة الساحقة من اللبنانيين.
صحيحٌ أن الانقسام بين اللبنانيين كان دائماً كبيراً وعميقاً حيال الخيارات الاستراتيجيّة الكبرى، وصحيحٌ أن هذا الانقسام أتاح تغلغل النفوذ الإقليمي والدولي إلى القنوات اللبنانيّة المتناقضة؛ ولكن هذا لا يلغي أن التركيبة المجتمعيّة المحليّة، بغالبيّة شرائحها واتجاهاتها، تتمسك بأقانيم الحريّة والسيادة والقرار الوطني الحر والاستقلال.
الاعتداد بالذات المتولد عن فائض القوّة لدى بعض الأطراف السياسيّة ينحو في اتجاه أخذ البلاد نحو مساراتٍ جديدة. ليس انتقاد الملاهي وعلب الليل إلا بمثابة تسطيح لحقائق تاريخيّة لبنانيّة لا يمكن القفز فوقها. القول بأن “لبنان القديم”، قبل أن تمسك بمفاصله القوى إيّاها، لم يكن سوى خمّارة مفتوحة على كل أشكال الفسق والمجون يلغي منجزات لطالما تميّز بها هذا البلد الصغير إنما الثري بتنوعه.
الجامعات والمدارس والمستشفيات والمطابع ودور النشر والصحف والمجلات وسواها من المؤسسّات التي طبعت هذه البلاد بوسم الانفتاح والحريّات والتعدديّة لا تُختزل أو تُشطب بخطاب تعبوي من هنا أو تحريضي من هناك. على الرغم من كل العثرات التي اعترت النظام الاقتصادي اللبناني المشوّه بفعل الاحتكارات الرأسماليّة وضعف الدولة عن ممارسة وظائفها الاجتماعيّة؛ إلا أن ذلك لا يجعل من بلد بأكمله “خمّارة”.
هذا الانحراف الذي تمارسه عن وعي وإدراك قوى فائض القوّة يرمي إلى جرف ذاكرة البلاد وإعادة تشكيلها من جديد وفق قواعد تقع على طرفي نقيض تماماً مع الصيرورة اللبنانيّة التاريخيّة، وتكاد تدفع به نحو منزلقاتٍ خطيرة تماثل بنتائجها الوخيمة المصائر التي وصلت إليها بعض شعوب المنطقة العربيّة التي وقعت تحت سطوة المحور ذاته، أي مصائر الفقر والذل والانغلاق.
مخطئٌ من يظن أن إفقار لبنان هو مجرّد منزلق خرج عن سيطرة بعض الأطراف الفاعلة. لعله من الأهداف المرسومة والمخطط لها بعناية. الانهيار يصب في مصالح القوى الإقليميّة، واللعب على ضفافه دون السقوط في مستنقع النزاعات الأهليّة الدامية أيضاً يصب في مصلحتها. إنه اللعب بالنار دون إحراق الأصابع وملامسة الخطر والرقص على حافة الهاوية.
المخطط الجهنمي الذي تُقاد إليه البلاد سيقضي على الهويّة الوطنيّة اللبنانيّة، كما سيقضي على هويته العربيّة التي حسمها اتفاق الطائف بعد عقود من النزاعات، وسيقضي على صيغته التعدديّة المتنوعة. سيقضي على لبنان الرسالة والفكرة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |