“حقوق الإنسان منعدمة في سجون لبنان”


كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:

تغيب العدالة في بلد العدالة، فكان المواطن الفقير في لبنان يحسد السجين لحصوله على أبسط متطلبات الحياة؛ إلى أن أصبح السجين اليوم مسلوب الحقوق. العدالة القضائيّة غائبة؛ والعدالة المعيشيّة مُكبّلة، مرافقة لاهتراء المنظومة السياسيّة التي نهبت سلطتها وأفلست دولتها، فما كان على الشعب سوى السعي لتأمين أبسط حقوقه.
يعيش مساجين لبنان اليوم بوجعٍ متعدد المصادر فغياب الطبابة من دواء واستشفاء يترافق مع أمعاءٍ شبه خالية وذكريات مع أهاليهم المتشوّقين لرؤيتهم. في لبنان 19 سجنًا للرجال وأربعة للنساء، بينما لدينا فقط سجن واحد للأحداث وآخر للقاصرات. تسعى الجمعيات الدولية والمحلية وتلك التي تُعنى بحقوق الإنسان للتنسيق مع السلطات الرسميّة اللّبنانيّة بهدف التعاون معها للتخفيف من حدّة الأزمة داخل سجون لبنان. فما هي أبرز التوصيات التي قدّمها المركز اللّبناني لحقوق الإنسان؟ وكيف تساهم ورش العمل في تحسين حياة المساجين؟

تواصل “هنا لبنان” مع “كريستين مهنا” مسؤولة الإعلام والمُناصرة في المركز اللّبناني لحقوق الإنسان، التي شاركت باجتماع لجنة حقوق الإنسان النيابيّة في 17/1/2022. بعد الاجتماع أرسل المركز كتابًا يتضمّن توصيات عديدة وفق دراسات قام بها. وأُرسل الكتاب إلى اللّجنة النيابية، المنظمات المعنية والأمن الداخلي لحصول المساجين والمحتجزين على أبسط حقوق الإنسان.
من الناحية القانونيّة، يشدّد المركز على ضرورة التأكد من أن القوانين والأنظمة الداخلية في السجون تراعي المعايير والقواعد الدولية مع اعتماد الإصلاح التشريعي الّذي يحدد عقوبة السجن المؤبد وإلغاء عقوبة الاعدام. بالإضافة إلى ضمان تطبيق القانون الّذي يجرّم التعذيب والمعاملة السيئة، بهدف حماية حقوق السجناء والعمل على تطبيق قانون العقوبات لجهة الفصل بين الموقوفين والمحكومين.
واعتبرت مهنا أنّ مشكلة الاكتظاظ في السجون الّلبنانيّة هي أساسيّة وتؤثّر بشكل لافت على حقوق المساجين والمحتجزين ممّا يسبب تردّيًا بأوضاعهم المعيشيّة، وقد تكون المحاكمات الإلكترونيّة حلًّا من الحلول التي يمكن اتّباعها لتخفيف الاكتظاظ.
وركّزت على ضرورة القيام بزيارات منتظمة من قبل لجنة حقوق الإنسان النيابية ولجنة الوقاية من التعذيب داخل السجون التي هي جزء من الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، والعمل على معالجة الأوضاع غير الإنسانية في تلك السجون، ولا سيما وضع المأوى الاحترازي في السجن المركزي في رومية.
شدّدت مهنّا على أنّ صلاحيات لجنة الوقاية من التعذيب والهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، الدخول إلى السجون دون علمٍ مسبق، أي زيارات فوريّة وعليها أن تكون أيضاً دوريّة للكشف الدائم على السجون؛ ومن الضروريّ أن يقوم المحامون وقضاة التحقيق بزيارة المساجين والمحتجزين مرّة واحدة على الأقل شهرياً لمتابعة ظروفهم.
مراقبة ممارسات التعذيب داخل مراكز الاحتجاز والسجون أساس عمل اللّجنة، من هنا تناولت التوصية بالتحديد التعذيب داخل مراكز الاحتجاز وضمان تطبيق القانون 65/2017 الّذي يجرّم التعذيب.
الحلول الفورية، الدائمة والمستدامة أساس مطالبات المركز اللّبناني لحقوق الإنسان، من هنا كانت إحدى التوصيات المُرسلة ضمن الكتاب، تنظيم ورش عمل وإعادة تأهيل المساجين بما يراعي ظروفهم الصحية والمعيشية؛ بالإضافة إلى تنظيم مؤتمرات وطنية للأجهزة القضائية والأمنية وللقائمين على إدارة السجون وللجمعيات والمنظمات الدولية، لتقييم الاحتياجات واقتراح الحلول المناسبة.
بما أنّ ورشات العمل تُساهم بشكلٍ أساسيّ بعلاج السجناء، تواصلنا أيضاً في “هنا لبنان” مع المُؤسّسة والمُديرة التنفيذيّة لـ “كاثارسيس” المركز اللّبناني بالعلاج بالدراما، المُمثّلة “زينة دكاش” التي بدأت تجربتها بالتعامل مع المساجين منذ العام 2007 تاريخ إنشاء المركز. واعتبرت دكاش أنّ العلاج بالدراما يُعتبر برنامج تأهيلي رائد داخل السجون ولا يهتم المركز بهذه الناحية فحسب، بل هو يدرّب السجناء على المهن المُتعلّقة بالفنون والحرف بالإضافة إلى نشاطات أخرى كتدريب المُحترفين الراغبين بامتهان العلاج بالدراما…
العلاج بالدراما بالنسبة لـ “دكاش” يهدف إلى الحصول على مُجتمع متناغم ويجعل الأفراد يكتسبون أساليب عيش صحيّة. بالإضافة إلى كونه طريقة فعّالة لحلّ المشاكل وتعزيز نموّ الأفراد من خلال تأمين جوّ سليم وآمن، حيث يتمّ قبول السجين كما هو دون الحكم عليه.
وأشارت دكاش أنّ “كاثارسيس” ساهمت باقتراح مشاريع قوانين داخل المجلس النيابيّ؛ كمشروعي القانونين في العام 2016 الهادفين إلى تشريع مُناسب للسُجناء المُصابين بأمراض عقلية أو السجن المؤبّد. وتمّ إعداد مسودات القوانين بدعم الاتحاد الأوروبيّ وبالتعاون مع النواب السبعة الموقّعين على مشاريع القوانين.
وفي ختام الحديث اعتبرت، أنّ الوضع الاقتصادي اليوم لا يمكن مُقارنته مع الوضع قبل الأزمة، فالحالة المعيشية الحالية أثّرت سلباً على حياة المساجين. ارتفاع سعر صرف الدولار أدّى إلى غلاء فاحش بالسلع داخل السجن، فالمساجين أصبحوا يشترون السلعة الضروريّة فقط. ومع تفشّي وباء “كورونا” تأخّرت المحاكمات وزيارات الأهل أصبحت ضئيلة، ناهيك عن عدم استطاعتهم الوصول بسبب تكلفة النقل المرتفعة ممّا يؤثّر على حالة المساجين النفسيّة وشوقهم لأهاليهم.

في النهاية، رغم التوصيات والحلول المُقترحة لا تستطيع الجهات الخاصة أن تحلّ مكان السلطات العامّة. حياة المساجين اليوم بخطر، وضعهم الاقتصادي المتردّي يترافق مع حالتهم النفسيّة المنعدمة؛ مُطالبتهم بأبرز حقوقهم كالطبابة، القوت ومحاكمات سريعة لا تقلّ أهميّة عن مطالبتهم بأبسط حقّوقهم وهو رؤية أهاليهم. مطالبهم الواضحة هي أقلّ ما يحتاجه الإنسان للعيش داخل مجتمعٍ مُصدّق على الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان. فأين آذان وقلوب المسؤولين المُهتمين بحملاتهم وتحالفاتهم الانتخابيّة، غير المُبالين بوجع فئة مُهمّشة من المجتمع؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us