آلاف العائلات مهددة بين خطر المباني القديمة المتجدد وانهيارها المحتوم
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
تجول سينتيا خ. (38 عاماً) في منزلها القديم بحذر، ولا تدخل غرفة النوم إلا لسحب أمتعتها وأمتعة عائلتها الشخصية “التشققات هنا مزمنة ونخاف من سقوط سقفها أو حيطانها أو أجزاء منها علينا، معاناتنا ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى 10 سنوات مضت وتفاقمت أكثر بفعل انفجار المرفأ، على الرغم من كشف خبراء عليه مثله مثل العديد من المباني القديمة”.
حال منزل سينتيا كحال العشرات من المباني القديمة في منطقة الجميزة ومار مخايل التي لم تعد صالحة للسكن وآيلة للسقوط بعد انفجار 4 آب المدمر، كما يحذر معظم خبراء الهندسة. فيما عدد هذا النوع من المباني يزداد باستمرار سنويًّا بنسب متفاوتة بين منطقة وأخرى.
هي بيوت متصدعة باتت تشكل خطراً على ساكنيها، وعلى كل من يمر بالقرب منها، واليوم يواجه “قطاع” الأبنية القديمة كارثة حقيقية لجهة العجز عن تأمين مواد البناء الأساسية التي تُستخدم في الترميم والتدعيم، وبعضها يعد ثروة عالمية مهددة بالضياع.
وتعزو رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات أنديرا الزهيري، في حديث لـ “هنا لبنان” أسباب هذه الكارثة إلى مجموعة من الأسباب يأتي في طليعتها شحّ تلك المواد، وصعوبة فتح اعتمادات للاستيراد في ظل الأزمة الاقتصادية، وأيضاً الصعود الصاروخي لأسعارها في حال توافرها.
وتضيف بأن هذه الأزمة يقف حيالها أصحاب العقارات عاجزين عن تأمين سلامة مبانيهم، لعدم قدرتهم على دفع بدلات صيانتها أضعافاً مضاعفة، تحت حصار كورونا والدولار، محذرة من أن أرواح العائلات اللبنانية مهددة في عقر دارها.
ولعل أحد الأحداث التي تعكس أهمية هذه الأبنية وقيمتها ومن بينها ما هو تراثي، ظاهرة السماسرة والمستثمرين الذين راحوا يجولون في الكثير من الأحياء التي دمر الإنفجار أبنيتها أو صدعها، عارضين مبالغ مالية على أصحابها الذين كانوا بمعظمهم عاجزين عن ترميمها فكيف وحال اللبنانيين اليوم الذين يتخبطون بمروحة لا تنتهي من المشاكل المالية والمعيشية والإقتصادية غير المسبوقة؟
ووفق الزهيري فإن “هذه الأزمة ليست طارئة، لكن الأزمة المالية قد زادتها زخماً. ما يجعلها مُناسبة لفتح ملف الأبنية القديمة التي تقف الدولة متفرّجة إزاءها؛ ويكفي الركون إلى الأرقام للتدليل على مدى خطورة ترك هذه الأبنية لمصيرها المحتوم: الانهيار”.
ففي تقريرها الأخير حول وضع الأبنية القديمة، وخصوصاً تلك الآيلة إلى السقوط، أحصت الهيئة اللبنانية للعقارات 16 ألفاً و260 مبنى مهدّداً بالسقوط، منها 10 آلاف و460 في بيروت وحدها، واحتلت مدينة طرابلس والشمال المرتبة الثانية بـ4 آلاف مبنى، فجبل لبنان بـ640 مبنى.
وفي الأسباب الهندسية والموضوعية يبرز تخطي عمر معظم هذه المباني “سن الأربعين عامًا”، عامل يدفع بالزهيري إلى التذكير بأن “العمر الافتراضي للباطون هو خمسون عاماً، انطلاقاً من أن الباطون يخسر بمعدل 5% سنوياً من طاقته على التحمل”.
من حيث مواد البناء، تحتوي الأبنية القديمة على نسبة عالية من مادة الـ “أترنيت” وهي بدورها تحتوي على مادة اسمها” أسبيتوس” وهي مادة ممنوع استخدامها عالميًا، وفي ظل غياب الرقابة المطلوبة عندما تم بناؤها فإن تداعياتها ستظهر على صحة المواطن بعمر الـ 40 سنة، مع ما تسببه من أمراض كالسرطان وأمراض الرئة، وفق رأي خبراء وتقارير ودراسات حديثة أجريت حول هذه المباني.
ومن بين الحلول التي تطرحها الزهيري تفعيل قانون الإيجار التملكي، الذي يعطي الحق لكل مواطن لبناني بالتملك في بلده حسب قدرته الشرائية وحسب قدرته على الدفع أو التقسيط، على أن تتمتع الشقق والمباني في هذه الحالة بمعايير ومواصفات السلامة العامة، بمختلف المساحات المتعلقة بها وهذا يضمنه له الدستور والشرعات الدولية.
كما وتدعو الزهيري إلى تحرير قوانين الإيجارات القديمة ما سيؤثر إيجاباً على الأبنية الجديدة وسيحصل عرض وطلب في السوق، وستنخفض قيمة الإيجارات، لافتة إلى أنه وفي الوقت نفسه نكون قد أعطينا حوافز للناس لترميم هذه الأبنية والعمل على استعادة صورة بيروت الجميلة بأسلوب يحافظ على سلامة الناس وأرواحها، وهذا إيجابي وفعال.
وهكذا فإن مصير كثير من تلك المباني وساكنيها لا يبشّر بالخير، وامتزاج بعضها بالبناء الجديد الراقي لا يعفيها من سمة الخطر المتجدد لسكانها وجيرانها والمارين بقربها، سمة لا حول لها ولا قوة بها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |