هل طلب عون من بوتين النجدة في جزين؟
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
من يعتقد أنّ لبنان ليس طرفًا في الحرب الأوكرانية ذات الأبعاد الكونية فهو واهم. وأقرب مثال، الزيارة التي قام بها لموسكو في الرابع من آذار الجاري مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية أمل أبو زيد، ولقاؤه الممثل الشخصي للرئيس الروسي في الشرق الأوسط نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف.
لكن هل تكفي هذه الأسطر لتبيان علاقة لبنان بهذه الحرب؟
بالطبع لا. خصوصًا، وأنّ نبأ اللقاء لم تظهر له أيّة إشارة في وسائل الإعلام الروسية. بل إنّ مصدره بيان لمكتب أبو زيد، والذي وصف اللقاء بأنه “ودّي وتناول كل الجوانب المتعلقة بالأزمة الروسية الأوكرانية وتداعياتها على المستوى الدولي وتحديدًا على منطقة الشرق الأوسط. وتخلل اللقاء بحث مطوّل حول موقف لبنان من الأزمة بين روسيا وأوكرانيا”.
في المقابل، لم نعلم ماذا قال بوغدانوف للزائر اللبناني، خصوصًا فيما يتعلق بغضب موسكو من بيان الخارجية اللبنانية الذي دان الغزو الروسي لأوكرانيا، الأمر الذي اعتبرته الإدارة الروسية ابتعادًا من الحكم اللبناني عن سياسة “النأي بالنفس” التي يقول إنه ملتزم بها.
ربما من سوء حظ مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية، الذي ذهب إلى موسكو لمداواة “جرح” بيان قصر بسترس، أن سيد القصر الوزير عبدالله بوحبيب، كان يصرّح قبل أن تطأ قدما أبو زيد مطار العاصمة الروسية، ردًّا على “انقسام اللبنانيين” حول بيان إدانة العملية العسكرية في أوكرانيا قائلًا: “الرئيس (ميشال عون) هنأني”.
إذًا، ماذا يستطيع أن يقول أبو زيد لبوغدانوف بعدما وصل كلام بوحبيب إلى المسؤولين الروس قبل أن يصل هو إلى العاصمة الروسية.
الموقف على مستوى “التيار الوطني الحر”، كما عبّرت عنه قناة “أو تي في” الناطقة باسمه، كان دحض ما أسمته القناة “معلوماتٍ تمَّ تداولُها عن رفضِ المسؤولين في موسكو لقاءَ موفدِ الرئيس عون،” وقد جاءَ “النفيُ”، على حد تعبير قناة التيار “باللقاءاتِ” التي عقدَها مستشارُ رئيس الجمهورية أبو زيد مع الممثل الشخصي للرئيس الروسي بوغدانوف.
من يراجع السيرة الذاتية للسيد أبو زيد، يكتشف أنه هو صاحب الفضل في فتح قناة الاتصال بين “التيار” وبين دوائر السلطة الروسية. فهو، وبعدما “أسسّ أول شركة استثمارية له في 1980 في لندن تحت اسم “ADICO Investment Corporation”، قام في العام 2000 بافتتاح فرع للشركة في موسكو، وعمل على تعزيز العلاقة التجارية والاقتصادية بين الشتات الروسي واللبناني”، وفق ما جاء في السيرة المنشورة.
ليس هناك حاجة لمعلومات خاصة، لتبرير استقبال بوغدانوف لأبي زيد. فما بين الرجليْن، الكثير من “الخبز والملح”، كما يقال عندنا. لكن هذا الجانب الشخصي من هذه العلاقة، هل يكفي اليوم لرأب “الجرّة” في موسكو والتي جرى كسرها في بيروت؟
إذًا، هل تنتهي قصة “شهر العسل” مع روسيا، والتي كافح أبو زيد على مدى 22 عامًا كي يحققها، وجيّرها كرمى لعيون “التيار الوطني الحر”، أملًا أن تؤدي لوصول صاحب هذه القصة إلى المقعد النيابي في جزين في برلمان 2022؟
على ما يبدو، أن حرب أوكرانيا بكل تعقيداتها، لن تتفوق على حرب جزين الناشبة في التيار اليوم، على خلفية استبدال أبو زيد بالنائب زياد أسود. فالأخير، وبعد انتشار خبر استبعاده عن اللائحة الأساسية للتيار “الوطني الحر”، علمت صحيفة “النهار” من مصادر مقرّبة من النائب أسود أن الأخير علّق على الخبر قائلاً: “كبر السبع وشاب، وصار مسخرة للواوية”. وتابعت المصادر أن “أسود يجهز أوراقه الرسمية للترشح وأنه مستمر في المعركة حتى النهاية”.
لم يصدر نفي حتى الآن لما نُسب إلى النائب أسود. في المقابل، يبدو موقف التيار في منتهى السواد، نتيجة سعيه إلى الاحتفاظ بمقعد في جزين، فسعى إلى فتح صفحة جديدة مع الرئيس نبيه بري كي يوفر له مع “حزب الله” ربح المقعد الماروني في هذه الدائرة الذي يشغله اليوم أسود. لكن هذا التحالف الانتخابي الجديد، شرطه، من قبل الرئيس بري، ألا يكون أسود مرشّحًا، بعدما جاهر الأخير بأن زعيم حركة أمل “بلطجي”.
ما هو السبيل لحلّ هذه المعضلة في جزين التي، تماثل داخليًّا، معضلة أوكرانيا على المستوى الدولي؟
في المعلومات المتداولة، أن النائب أسود لديه قوة انتخابية في جزين لا يُستهان بها. فهو بالإضافة لكونه من مواليد جزين نفسها، فهو ناشط قديم في التيار ونائب في البرلمان منذ العام 2009. وعندما هاجم الرئيس بري ذات يوم، فهو كان يكمل هجوم رئيس التيار جبران باسيل، الذي هو صاحب الفضل في كلمة “بلطجي”.
في المقابل، فإن مرشح التيار المرغوب فيه الآن في جزين، هو مواليد مليخ إحدى قرى قضاء جزين. ويحاول خصومه حاليًّا، الترويج لمعلومات مفادها أن أبو زيد من عائلة “شيوعية”، الأمر الذي يفسر سر علاقاته الوثيقة بموسكو.
إنّه فعلًا مأزق للتيار إضافة إلى مآزق أخرى كشف عنها انسحاب النائب حكمت ديب من صفوف البرتقالي.
لا داعي للتذكير أنّ تاريخ التيار هو تشعب الخطوط التي يقوم عليها، على غرار الرقص فوق عدة حبال في وقت واحد. ومن مآثر تعدد الحبال، ما جرى لكل الذين خاضوا حرب الجنرال ضد حاكم دمشق في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، فانتهى بهم المطاف إما إلى القبر وإما إلى السجن السوري.
هل يتكرر في جزين اليوم، ما حصل سابقًا في قصر الشعب ولاحقًا في “تفاهم مار مخايل”؟
لا جواب حتى هذه اللحظة. بالتأكيد، هناك معلومات لم يتم تداولها عن لقاء أبو زيد -بوغدانوف الأخير. فهل من بينها أن مستشار الرئيس عون للشؤون الروسية، طلب النجدة من الممثل الشخصي للرئيس بوتين في الشرق الأوسط لكسب الحرب المقبلة في جزين؟ قد يبدو هذا السؤال مثيرًا للشكوك، لكننا في زمن تيّارٍ متعدّد الخطوط والحبال، وكلّ شيء عنده وارد!
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |