لبنان ليس أوكرانيا
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
“لبنان ليس أوكرانيا” تلك العبارة الشهيرة في 8 آذار 2005، قالها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، مفتتحاً بها الثورة المضادة لإجهاض بداية ثورة إثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط. طبعاً أثبت الرد في الأسبوع الثاني أي في 14 آذار، أنّ لبنان مؤهل ليتفوق على أوكرانيا، لا بل إنّه وهو المعزول في بيئة ترى في أيّ تحرك سلمي خطراً داهماً، استطاع أن يلهم العالم العربي، وشعوبه، فكانت بيروت بالاحتشاد الكبير الصورة المستقبلية للقاهرة وتونس وطرابلس الغرب، وصنعاء، ودمشق.
لبنان ليس أوكرانيا، كررها نصرالله، محاولاً استعادة هيبة للنظام السوري، قبل أن يعود ويخرج في نيسان من ذلك العام قائلاً: “اسرائيل دمرت بيروت وحافظ الأسد بناها”، ليأتيَ الرد من جبران تويني في 14 أذار: “لا ليس حافظ الاسد من بنى بيروت بل رفيق الحريري. وكانت شهادته وكلمته الأخيرة قبل الاغتيال”.
ليس هناك من تطابق بين ما جرى في أوكرانيا وما يجري حالياً، وبين ما جرى في لبنان، وما يمكن أن يتعرض له مستقبلاً. وإذا كان التطابق مستحيلاً، لاختلاف في الجغرافيا والموقع والدور والإمكانات والتركيبة البشرية، فإنّ ما يربط بين هذين العالمين المختلفين، كبير، ليس أقله الجار المستقوي بعقدة نفي حق الآخرين بأن يكونوا مواطنين في دولة مستقلّة وشعباً متجانساً له الحق أن يعيش بسلام في هذه الدولة. وهنا لا مجال إلاّ للمقارنة بين سوريا الأسد وروسيا بوتين، ولا مجال إلاّ لإحصاء المحن وأنهار الدماء في لبنان وأوكرانيا على السواء.
في المقارنة أيضاً يجوز منطقياً استعراض تجربة سكان المناطق الذين يسمون بالإنفصاليين، في إقليم الدونباس، الذين يستقوون على مواطنيهم بآلة فلاديمير بوتين العسكرية، ويرشون الورود على العسكر الروسي الذي يدمّر المدن على رؤوس أهلها، بذريعة أنّ أوكرانيا هي جزء من روسيا العظمى، وأنّ استقلالها هو خطأ تاريخي، وأنّها الكيان المصطنع المشوّه الذي لا يفترض أن يولد.
نعم تجوز المقارنة، مع حزب الله وفريقه الذين رفضوا انسحاب جيش الأسد، وتمسّكوا به إلى اللحظة الأخيرة، والذين اعتبروا هذا الانسحاب مؤامرة أميركية، لكأن بقاءه في لبنان برضا أميركي مدة ثلاثين عاماً، يمثل أعلى درجات محاربة الإمبريالية.
في أوكرانيا كما في لبنان، حملة دعائية للكرملين وحلفائه الأوكرانيين، لتصوير أيّ نزعة لتأكيد استقلال هذا البلد على أنّها مؤامرة أميركية. في أوكرانيا، هناك اتهامات أيضاً بأنّ أوكرانيي السفارة الأميركية هم المسؤولون عن هذا الغزو، وفي أوكرانيا أيضاً، هناك من يساعد الغزاة، لكن مع فارق أنّ هؤلاء معرّضين للتحول تدريجياً إلى أقلية صغيرة، لن تقف في وجه ما أكّده الغزو وهو أنّ شعباً كاملاً يقاتل دفاعاً عن أرضه وسيادته وكرامته.
في أوكرانيا كما في لبنان، خشية الجار الكبير من التغيير، أدّت إلى الاحتلال والتدمير، فالبذور التي زرعتها الثورة السلمية، في وسط بيروت هي نفسها التي سبق للشعب الأوكراني أن عبر عنها في كييف، وحاويات النفايات التي رُمِيَ فيها ساسة أوكرانيون مؤيدون لروسيا ومنخرطون في السرقة والفساد، هي نفسها وربما بألوان مختلفة كانت لتستقبل ساسة كثر في لبنان، كل ذلك لو لم تنطلق الثورة المضادة، لإبقاء الروائح النتنة في الأنوف.
في 17 تشرين 2019، كان لبنان على موعد مع نسخة جديدة، من محاولة إزالة العفن، لكنّ الثورة المضادة كانت أيضاً بالمرصاد، وها هم أرباب تلك الثورة يهلّلون لبوتين، كأنّ حق أوكرانيا بالسيادة والاستقلال، موجّه ضدّهم على بعد آلاف الأميال. هم ليسوا بالضرورة مخطئين، فزعيم المحور عندما يستعمل القوة لإجهاض السوسة المقلقة التي تؤرقه في كييف، إنّما يكون قد بسط مظلة أمان على كل المحور، فالأصل يخوض معركة يحمي فيها كل الفروع في العالم.
لبنان ليس أوكرانيا كما قال نصرالله، قد يكون الأمر صحيحاً. أما أنّ أوكرانيا ليست لبنان، فالأمر صحيح أيضاً. ها هي تقاتل لتمنع الطيف الثقيل من أن يجثم على أرضها، فالوجود من دون حرية، لا تحميه نصف مواجهة، ولا تؤجل أكلافه صفقة استسلام مع مستبد.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |