زيارة أبو زيد لموسكو: نتفهم الضغوطات الدولية ولكن…
كتبت ريمان ضو لـ “هنا لبنان”:
حتى الساعة، لم ” يهضم” حزب الله الموقف اللبناني الرسمي من الحرب الأوكرانية الروسية الدائرة، ولا تصويت لبنان في الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار الدولي الذي يستنكر بأشد العبارات “عدوان الاتحاد الروسي على أوكرانيا ويطالب الاتحاد الروسي بالتوقف على الفور عن استخدامه للقوة ضد أوكرانيا والقيام دون قيد أو شرط بسحب جميع قواته العسكرية من أراضي أوكرانيا خارج حدودها الدولية المعترف بها”.
وحزب الله يتهم الحكومة اللبنانية بأنها خضعت للإملاءات الأميركية وهو ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في كلمته الأخيرة إلى حد قوله بأن البيان اللبناني كُتب في السفارة الأميركية.
والمفارقة أن حزب الله الذي أعلن مراراً رفضه لمنطق “الحياد الإيجابي أو الناشط” الذي أطلقه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، بات الآن يطالب به ويسأل عنه.
وبغض النظر عن خلفيات القرار اللبناني، إلّا أنّ الأكيد أن الموقف اللبناني أثار استياء واستغراباً روسياً، فبحسب مصادر ديبلوماسية روسية متابعة للسياسة الداخلية اللبنانية، لموقع “هنا لبنان” فإن روسيا وقفت دائماً إلى جانب لبنان ودعمته في الكثير من الظروف، سواء على المستوى الداخلي أو في المحافل الدولية، وكانت تفضل لو أن الحكومة اللبنانية بقيت بمنأى عن مواقف مماثلة.
جهود ديبلوماسية شاقة قام بها السفير اللبناني في موسكو شوقي نصار لتوضيح الموقف اللبناني وخلفياته، وانضم أخيراً إلى هذه الجهود مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية، أمل أبو زيد، الذي زار موسكو الأسبوع الماضي، مكلّفًا من رئيس الجمهورية، حيث شرح دوافع القرار اللبناني المرتكز على ثوابت مبدئية واعتبارات أساسية، وفق تفسيرات الموفد الرئاسي.
فأبو زيد، العارف في تفاصيل السياسة الروسية ومواقفها تجاه الملفات اللبنانية، حاول شرح حيثيات الموقف اللبناني حيث التقى عدداً من المسؤولين بينهم نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، موضحاً له أن الموقف اللبناني ينبع من مواقف مبدئية للبنان برفض الحروب، وضد العمليات العسكرية في المطلق، انطلاقًا من الأثمان الباهظة التي دفعها هذا البلد بسبب الحروب، خصوصاً الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وشرح أبو زيد أن هذا الموقف ليس موجهاً ضد روسيا بالذات، وهو ينطلق من سرد تاريخي لمواقف مبدئية اتخذها بإدانة أي دولة تغزو دولة جارة، مع تأكيده على ضرورة إقامة أفضل العلاقات مع روسيا، ومشدّداً على أنّ ما صدر عن لبنان ليس المقصود منه بتاتاً استعداء موسكو، التي يحرص على أفضل العلاقات معها.
يؤكد أبو زيد لموقع “هنا لبنان” وجود عتب روسي من الموقف اللبناني، لكنه يوضح أن العتب بين الأصدقاء لا يؤدي إلى القطيعة، مشدّدًا على أن لا خطوات روسية تصعيدية تجاه لبنان رداً على هذا الموقف.
فالروس، بحسب أبو زيد، يعلمون دقة الوضع الداخلي اللبناني، وهم يعتبرون أن ضغوطاً خارجية مُورست على الحكومة اللبنانية لاتّخاذ هذا الموقف.
الا أن التفهم الروسي لا يمنع اعتراضهم على ما ورد في قرار الإدانة خصوصاً لناحية بعض التعابير المستعملة كـ “وقف العمليات العسكرية وسحب قواتها” وبذلك تجاوزت الخارجية اللبنانية الأصول المبدئية التي تتعلق بالموقف اللبناني.
والروس يعلمون أن الموقف الرسمي اللبناني لا يعبر عن موقف معظم اللبنانيين، فهم مدركون لانقسام الشارع اللبناني ومواقف الأحزاب السياسية تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي يتفهمون أن الموقف الرسمي لا يمثل رأي غالبية اللبنانيين، بحسب أبو زيد.
ولا ينفي أبو زيد أنه يقوم بمسعى لتوضيح حقيقة الموقف اللبناني ويقول إن جهوده تتكامل مع جهود السفير اللبناني في روسيا الذي لعب دورًا أساسيًّا بتوضيح حقيقة الموقف اللبناني. وهو إذ لا يؤكد ما إذا كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على علم مسبق بالموقف اللبناني، إلا أنه برأي أبو زيد فإن المواقف الخارجية عادة تعدها وزارة الخارجية وتطلع عليها كل من رئيس الحكومة ومن ثم رئيس الجمهورية.
ينفي أبو زيد أنّ الروس يميلون إلى تحميل رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل المسؤولية الأساسية للموقف الذي اعتمدته الدولة حيال الحرب الروسية على أوكرانيا، وأن يكون الهدف محاولة استرضاء الإدارة الاميركية لإزالة العقوبات المفروضة عليه. فبحسب أبو زيد، يدرك الروس أن العقوبات التي وضعتها الإدارة الأميركية على باسيل هي خاضعة لـ Magnitski act أي عقوبات أقرها الكونغرس الأميركي ولا يستطيع الرئيس الأميركي أن يقوم بإلغائها. وبالتالي كل الاتهامات بتحميل باسيل المسؤولية لا أساس لها من الصحة.
وتعليقاً على القرار الذي أصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السبت الماضي والذي يوجه فيه الحكومة الروسية بإعداد قائمة بالدول التي “تتخذ خطوات غير ودية” تجاه روسيا، استبعد أبو زيد أن يحمل الروس الدولة اللبنانية أعباء أو تبعات القرار اللبناني وهم يتفهمون التدخلات بالموقف اللبناني، جازماً أن لا إجراءات روسية ضد لبنان مستشهداً بما قاله السفير الروسي في لبنان في مؤتمره الصحافي مع بداية الحرب بأن روسيا مستعدة حتى لتأمين القمح للدولة اللبنانية إذا اضطر الأمر.
ليست المرة الأولى، وقد لا تكون الأخيرة، التي يواجه فيها لبنان تداعيات سياسته الخارجية في ظل تخبط الطبقة السياسية في خلافاتها الداخلية، وارتهان الأحزاب السياسية لمحاور خارجية؛ وتحكم مصالح سياسية ضيقة في اتخاذ قرارات مصيرية.
وقد يكون الموقف اللبناني الأخير من الأزمة الاوكرانية الروسية، غيمة صيف ومرقت إذا فعلًا تفهّم الجانب الروسي حقيقة الموقف، لكن الغيوم التي تُلبد السماء اللبنانية كثيرة، فينطبق علينا المثل القائل: “إذا غيّمت بموسكو بتشتي بلبنان”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
المحكمة العسكرية ضحية “الكيدية” | مسؤولون لبنانيون للوفود الديبلوماسية: الأولوية للترسيم البري بدل الالتهاء بالقرار 1701 | أونصات مزورة في السوق اللبناني… والقضاء يتحرك |