“شي بوجّع القلب”.. التسوّل يغزو لبنان!

كتبت ريتا بريدي لـ “هنا لبنان”:

“أنا مواطن لبناني جائع، أرجوكم ساعدوني”… “لم أعد أستطيع إطعام أولادي”…”أمّي مريضة سرطان، بحاجة لمساعدة”… “أنا بحاجة لدواء فقط”… جُمَلٌ، لم نعتَد على رؤيتها في شوارعنا اللّبنانيّة التي كانت تتزيّن بالإعلانات المُبهرة، أصبحنا اليوم نقرأها معلّقةً على كراتين تحملها أيادٍ ترتجف خجلاً، وفي عيون أصحابها غصّات ودموع تبحث عن مَن يلتقي بها ويحنّ قلبه عليها ويمدّ يدَ المساعدة لتخفيف الألم وشقاء الحياة التي أصبحوا يعيشونها في لبناننا اليوم.
ناهيك، عن أولئك الذين لم يجدوا مَن يكتب لهم كلمات معاناتهم وأنين الجوع الذي أصبح رفيقهم الدائم، نراهم مُتّكئين على حيطان الزوايا المخفيّة في الشوارع، أو على أبواب الأفران والمحلات، علّه يُرسِل ملاكاً من السّماء قلباً رحوماً يُعطيهم ما يُشبعهم قوتهم اليوميّ لا سواه. ومن ينسى البعض منهم الذين كانوا ينوون أن يبيعوا كلية، ليتمكنوا من الإستمرار بالعيش.

هذه هي حال شوارعنا اللبنانيّة في كافّة المناطق؛ فلم نعُد نرى فقط أطفالاً صغاراً يتوسّلون على شبابيك السيّارات في العاصمة والمُدُن، بل انضمّ إليهم شبّان وشابّات عاطلون عن العمل، خائفون على ذويهم أن يقتلهم المرض، ولا من مُعينٍ أو مسؤول ينظر إلى حالتهم.
فقد انضمّ إلى قافلة الأطفال المتوسّلين لقمة العيش، كِبارُنا وجدّاتنا الذين لم يَعُد لديهم مَن يؤويهم، وقد يكتفون بلقمة خبزٍ مُعفّنة يجدونها في القِمامات، أو الطعام المرميّ من المطاعم والمقاهي والفنادق.
قد لا تكفي الكلمات لنتكلّم بألسنتهم، فلو سَمِع أو رأى المسؤولون في بلادنا ما يحصل في الشوارع التي ائتُمِنوا على المحافظة على كرامة أهلها، لكانت صرخات المتسوّلين وأيديهم الممدودة هزّت ضمائرهم الصمّاء والمُخدّرة بالفساد.

عن هذه الفئات نحن نتحدّث، لا عن قصصِ بعض المتسوّلين الذين يحتالون على المارة ولطالما سمعنا عنهم… فصدّقوا ليس هناك من أشخاصٍ بعمر الورود، أي الشباب والشابات في لبنان، يريدون فعلاً أن يقفوا في الشوارع لِمد أياديهم وطلب المساعدة.

رئيسة جمعية “بسمة”: “على الدولة العمل تجاه ما يحصل في الشوارع”

وبما أنّ ظاهرة التسوّل أصبحت منتشرة بشكلٍ فظيع وغريب ببعض الأوقات، كان لموقع “هنا لبنان” حديث مع رئيسة جمعية “بسمة” السيّدة ساندرا خلاط عبد النور التي أشارت الى أنّ هذه الظاهرة ازدادت في مختلف البلدان وكذلك في لبنان بأسلوبٍ هائل وأصبحنا نرى الأشخاص من مختلف الفئات العمرية على الطرقات، وفي الكثير من الأحيان نلاحظ وجود مجموعة من الأطفال يسيرون مع بعضهم البعض للتسوّل في الشوارع.
وأضافت أنّها لا تعلم بالحقيقة إلى أي مدى تعمل الدولة اللبنانيّة تجاه هذه الظاهرة، ففي فترةٍ معيّنة تم منع وجود المتسولين على الطرقات بين السيارات، ولكن للأسف كغيره من القوانين لم يتم الإلتزام به لمدة طويلة، وعُدنا لنرى هذه الظاهرة بقوة مرّة أخرى.
لذا فبالطبع الدولة لا تلعب الدور المطلوب منها، فلو كانت تعمل بالفعل لا نرى هذا العدد الكبير من الأطفال والسيدات بصحةٍ جيدة وفي أوقاتٍ كثيرة يحملن رضّعًا بين أذرعهن تحت أشعة الشمس أو الأمطار! وهنا اعتبرت عبد النور أنّ ذلك يعتبر نوعًا من أنواع الإغتصاب لحقوق الأطفال ولحقوق الإنسان بشكلٍ عام.
أمّا عن دور جمعية “بسمة”، فكغيرها من الجمعيات حاولت التطرق لهذا الموضوع والتواصل مع الأطفال لمعرفة من أهلهم والوصول لهم، ولكن لا نتيجة، وللأسف في الكثير من الأوقات نسمع عن صغار يعيشون مع أشخاص لا يكونون ذويهم، لذا يرمونهم على الطرقات للتسوّل والحصول على المال.
وتضيف رئيسة جمعية “بسمة” أنّ هؤلاء الأطفال هم ضحية المجتمع، ضحية الدولة التي لا تبالي لهم، وضحية أشخاص لا يهتمون إلّا لاستخدامهم كأداة لجني الأموال.
وطرحت السؤال حول: “من يهتم بمستقبل هؤلاء الأولاد؟”
وأضافت أنّها كانت تريد التركيز على تعليم هؤلاء الأطفال وتأمين وجبات غذائية في دارٍ لهم، ولكن بالمقابل هذا الموضوع خطر، وتقول: “عم نتعامل مع مافيات، وما في مين يحمينا… هيدا عمل الدولة ومش عمل المجتمع الأهلي لأنّو في خطر… هيدا شي بوجّع القلب ومرفوض تماماً”.
وأكدت أنّهم في جمعية “بسمة” لن يتطرقوا لهذه الظاهرة مع تلك الفئات تحديداً مرّة أخرى، بسبب الإشكال الكبير الذي خاضوه وتواصلوا مع مختلف الجهات المعنيّة الرسمية حينها، ولم يتمكنوا من الوصول لنتيجة، ومع ذلك أصرّت أنّه من الضروري التحدّث عن هذا الموضوع وشكرت موقع “هنا لبنان” لتسليط الضوء عليه.

أمّا عن الحلول، فرأت أنّه ربما من السهل رؤية الأمور: فالأطفال يتم إدخالهم إلى دار خاصة بهم أو يتم تبنيهم، الشباب والشابات يمكن تأمين وظيفة لهم لأنّهم عنصر فعّال في مجتمعنا ومساعدتهم.
بينما المسنين فأشارت أنّ جمعية “بسمة” تقدّم لهم وجبات غذائية وأدوية، وحتى عمليات جراحية في حال احتاجوا لها، لأنّهم متروكون، وشدّدت أنّ هناك نسبة كبيرة من المسنين يصلون لمرحلة صعبة جداً في هذا البلد.

كما أضافت أنّه في عام 2013 كان هناك أكثر من مئة ألف متسوّل، فبالطبع مع وصولنا لسنة 2022 تفاقم الرقم بشكلٍ كبير.
وفي هذا الإطار، توجهت عبد النور إلى الدولة بشكلٍ مباشر وإلى وزارة الشؤون الاجتماعية بنداء لأخذ الإجراءات اللازمة وتحمل مسؤوليتها في هذا الموضوع، وخصوصاً مع الفئات التي حكت عنها في البداية لحماية الأطفال من التعديات التي يتعرضون لها واستعمالهم لكسب المال.

أمّا عن النساء المتسولات فرأت أنّه من غير المقبول أن تقبل المرأة بأنّ تكون وظيفتها التسوّل طيلة فترة اليوم، فالنساء عنصر فعّال في مجتمعنا، وختمت بالقول من المهم جداً الدفاع عن نساء وأطفال مجتمعنا.

بكلمات قليلة أخيرة، إنّ المتسوّلين في وطننا لبنان ليسوا فقط مَن نراهم على الطرقات يوميًّا، إنّما هنالك العديد منهم يبقون في منازلهم، سجناء الخوف والخجل من أعيُن المجتمع. هم أيضاً بحاجة لقلوب رحيمة تدقّ أبوابهم لتُعطيهم أملاً ولو صغيراً للاستمرار في الحياة.
اليوم، لبنان بذاته، أصبح متسوّلاً يشحذ المساعدات من أيّ مكانٍ؛ لبنان، بلد الحضارة والجمال، أصبح متسوّلاً في شوارع العالم أجمع بفضل سوء إدارة وقلّة مسؤولية من يجلسون على كراسيهم ولا زالوا موجودين في الحكم ويترشحون للانتخابات المقبلة… وأمام هذا الواقع احترنا هل نختم مقالتنا بكلمة “عجباً” أو “أسفاً” على حالنا وحال بلادنا؟

مواضيع مماثلة للكاتب:

في اليوم العالمي للشطرنج: فوائده تفوق التوقعات!

“أهذا حقاً في لبنان؟”.. الهايكينغ يكتسح البلدات اللبنانية ويكشف جمالها!

احتفالاً بأسبوع الأصمّ العربي.. ملتقى “أوتار الصمّ” في الشارقة