“جسم لبّيس”
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
لم تشهد الانتخابات التشريعية اللبنانية يومًا ما تعيشه المقبلة من لغطٍ وتشكيكٍ في إجرائها، برغم تثبيت موعدها في منتصف أيّار المقبل، بعدما رفض رئيس الجمهورية، في تشرين الأول 2021، جعله في آذار الجاري، لكون تقصير المهلة الدستورية للانتخابات يؤدّي، بحسب بيان رئاسة الجمهوريّة، يومها، إلى إحجام ناخبين عن الاقتراع، منبّهاً إلى أنّ ذلك سيحرم أكثر من 10 آلاف و600 شخصٍ من حقّ الانتخاب لعدم بلوغهم سنّ الاقتراع.
كان قانون الانتخابات الذي أقرّ في 17/6/2017 أشبه بمولودٍ عجيبٍ له أكثر من أب، لكنّ له أيضًا أكثر من أمّ، فهو نصٌّ هجينٌ جمع الدوائر الفرديّة في مناطق، وفق قانون الـ 60 المعروف بقانون غازي كنعان، ونظام اللوائح المقفلة، في دوائر أخرى، تحت مظلّة النسبية في تقطيعٍ جغرافيٍّ سياسيٍّ من دون قواعد واحدة لكل المناطق، بطريقةٍ تُكرّس الطائفية هنا، والمذهبيّة هناك، بما يوائم القوى السياسية ويؤمّن مصالحها الانتخابية.
برغم إدخال تعديلاتٍ طفيفةٍ على القانون نفسه في شهر تشرين الثاني الفائت، كخطوة تأكيدٍ لجدّيّة الحكومة في إجراء الانتخابات، لم يبدِ الشعب اللبناني، عموماً، “إيمانه” وتسليمه، بأنّ الدرب إلى 15 أيار 2022 “آمنة وسالكة”، فكيف يصدّق ذلك بينما لا يملّ “التيار الوطني الحر” من إخراج “أرانب سحرية” تجعل العقبات تتوالى، كـ “ورقة” الميغا سنتر، الّتي يعلم أنّ الوقت المتبقي لموعد الانتخابات لا يتعدّى الأسابيع، ولا يتيح، بالتّالي، تحقّقها إلّا إذا أرجئت عملية الاقتراع، أو ألغيت. والإرجاء يعني التّمديد لمجلس النواب، فيختار مجلس الـ 2018، بتوازناته الراهنة، رئيس الجمهوريّة الجديد، أو يمدّد للجنرال، الذي روّج لذلك، قبل فترةٍ، ثمّ صمت عنه.
دخل التّمديد لمجلس النواب على النظام اللّبنانيّ بالقوّة القاهرة في زمن الحرب اللبنانية، وشكّل إحدى “عادات” الوصاية السّورية”، وكان العماد إميل لحود آخر مرتكبيها. واليوم ليس سهلًا عودة بعض أهل المنظومة إليها، أوّلاً بسبب التمرّد الشعبيّ العام على أيّ خرقٍ جديدٍ للدّستور، تحت غلالة تواطؤٍ كان آخر أطواره المجيء بميشال عون إلى قصر بعبدا على جناح السلاح، وتسوياتٍ انتهازيّةٍ مهينةٍ لفكرة الدّولة ولمنطق الديموقراطية وللوعي الوطني. ومن يتوهّم أنّ انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 قد وُئِدت يتجاهل أنّ جذوتها لم تنطفئ، وإنّ غلطة التمديد ستكون مكلفةً على الجميع، وقد تُحوّل الانتفاضة إلى ثورةٍ شعبيّةٍ عارمة.
ثانيًا، انشغال العالم اليوم بالحرب في أوكرانيا، لا يعني أنّ الأزمات، التي تبدو تفصيليّةً للبعض، كحال لبنان، باتت خارج المتابعة الدولية، وبالتالي ليس إصرار المجتمع الدوليّ على إجراء الانتخابات في موعدها أمرًا عبَر. ولا يُنصح بتجاهل العقوبات الدولية التي ألمح إليها أكثر من طرفٍ أوروبيٍّ وأميركيٍّ وعربيٍّ، ولا يتردّد في تطبيقها على وجوهٍ لبنانيّةٍ “كريمة”.
يكاد أهل السياسة أن يُقسِموا بأغلظ الأيمان أنّهم حريصون على أن تجري الانتخابات التشريعية في موعدها في منتصف أيار المقبل، وكلّما زادوا تأكيداً زادت المخاوف من تطييرها، إذ “يكاد المريب يقول خذوني”، تحديداً لما استعجل الرئيس نبيه بري تقديم ترشيحه لمقعد”ه” المعهود في الجنوب منذ ما يزيد على 22 سنة.
لكن، لا ينافس صدق بعض المسؤولين، زعماء ووزراء، في ادّعاء الحرص على إجراء الانتخابات في موعدها، سوى قول أمين عام الحزب الحاكم الفعليّ أنّه لا يهيمن على الدولة اللبنانية برغم سلاحه و”الفريش دولار”.
الواقع أنّ الأغلبيّة أمام الاستحقاق الانتخابي “مرغم لا بطل”، وهي تستبق اتّهامها بعرقلة العملية الانتخابية بإشهار براءتها، سلفاً، من دون أن يُطالبها أحدٌ بذلك، لأنّها تعرف أنّ “التّهمة” “تليق” بها، و”جسمها لبّيس” على القول الشعبي.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |