14 آذار 2022: استعادة الدولة من “الحزب”


كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان” :

قبل 17 عاماً، وفي مثل هذا اليوم 14 آذار ، انتصر اللبنانيون على الوصاية السورية، وفرضوا لاحقاً على نظام بشار الأسد سحب جيشه من لبنان بعد 30 عاماً من توليه إدارة هذا البلد. ومن يعود إلى ذلك اليوم عام 2005، يجد نفسه أمام مشهدين صنعا التاريخ، هما: إستشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من ذلك العام، والحشد الذي نظمه “حزب الله” في 8 آذار من العام نفسه تضامناً مع نظام الأسد.
هل من جدوى، في 14 آذار 2022، العودة إلى الماضي، بعدما قيل في ذلك التاريخ، بأنه قد صار من التاريخ، على نقيض مع 8 آذار الذي ما زال مستمراً بفضل “حزب الله”؟
يجب الاعتراف بجزء من صحة القول بأن 14 آذار بمعناه عام 2005، لم يعد على قيد الحياة. وما أدل على هذه الحقيقة، أن المنصة التي اعتلاها قادة ثورة الأرز التي ولدت في ذلك اليوم، لم يعد لها من أثر. وكم كان معبّراً، إعتلاء الرئيس سعد الحريري منصة ذكرى 14 شباط، (يوم استشهاد والده) الشهر الماضي وهو صامت، فكان صمته بحجم الفراغ الرهيب الذي انتهت إليه الثورة التي لم يشهد لها لبنان مثيلاً من قبل.
إذاً، هل وصلنا إلى خط النهاية في مسيرة النهوض في لبنان، الذي لم يعرف منذ 17 عاماً راحة تليق بتجمع 14 آذار التاريخي؟
لا داعي لممارسة طقوس المكابرة التي تنطوي غالباً على مشاعر الإنكار. غير أنه في الوقت نفسه، لا بدّ من رؤية ما في الكأس الذي لم ولن يكون فارغاً بالمطلق . فعلى الرغم من عدم وجود منصة تشبه تلك التي تحلّقنا حولها في 14 آذار 2005، هناك في المقابل، مثيلٌ لها الآن يقف فوقها قادةٌ كانوا في ساحة الحرية قبل 17 عاماً، وآخرون كانوا إما صغاراً وإما لم يولدوا بعد. ولدينا مرجعٌ للقادة الجدد الذين ظهروا في الساحة في 17 تشرين الأول 2019، والذين خرجوا من رماد إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020. وفي هذين التاريخين، كان الموضوع: البحث عن الدولة.
ثلاث مرات، جاءت ذكرى 14 آذار قبل الانتخابات النيابية، وهي في الأعوام 2005، 2009 و2018. ونحن اليوم نمرّ بالمرة الرابعة. بالعودة إلى المرة الأولى، نجد أن بركان 14 آذار عام 2005، كان من القوة أنه أتى ببرلمان عبّر للمرة الأولى عن إرادة الشعب منذ انتخابات عام 1972، وكانت الأخيرة قبل غرق لبنان في حرب عام 1975، والتي عاد فيها شيء من وجه لبنان المستقل، الذي شابته الوصاية السورية بدءاً من انتخابات 1992، والتي كانت الأولى بعد إتفاق الطائف عام 1989.
لكن برلمان 2005، لم يكن خالياً من شبهة الوصاية الجديدة التي مثلها “حزب الله” وحلفاؤه. وكان لا بد من انتظار العام 2009، لكي يتبيّن أن هذه الشبهة ذات اللون الإيراني، هي حقيقة راسخة جسّدها 7 أيار 2008 عندما اجتاح الحزب بيروت، كما يفعل الغزاة خارج أوطانهم، بالتكافل والتضامن وللمرة الأولى مع “التيار الوطني الحر” الذي صار زعيمه الجنرال ميشال عون حليفاً لصيقاً لـ “حزب الله” بعد إبرام صفقة “تفاهم مار مخايل” مع زعيم الحزب حسن نصرالله. غير أن رياح تلك الغزوة لم تجر كما اشتهت سفن قوى 8 آذار المعززة بالتيار العوني، فكانت الأكثرية في برلمان 2009 لمصلحة قوى 14 آذار.
9 أعوام مضت، كي تجرى الانتخابات النيابية التالية، أي عام 2018. فأتى البرلمان المنبثق عنها على شاكلة التحولات التي سبقتها ورافقتها، وانتهت إلى إثبات أنّ زمن 14 آذار قد أفل، على الرغم الفوز المشهود لـ “القوات اللبنانية.” وهذا الأفول عبّر عنه قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني عندما تباهى بفوز “حزب الله” وحلفائه بأكثرية أعضاء البرلمان. ومن يعود إلى تلك الانتخابات، لا يفوته أن مسار الانحدار للقوى السيادية قد تكرّس عام 2016 بوصول الجنرال ميشال عون إلى قصر بعبدا محمولاً على راحتي حليفه السيد منذ “تفاهم مار مخايل” 2006. فما إن وطأت قدمي زعيم التيار البرتقالي قصر الرئاسة الأولى ، حتى بدأ مسار تسليم مقادير لبنان لطهران عبر المعتمد المحلي والإقليمي، “حزب الله”.
والآن، في 14 آذار 2022، على بعد 3 أشهر من الانتخابات النيابية، ماذا ينتظر لبنان؟
لا مبالغة في القول، أن الانتخابات المقبلة، هي مصيرية بامتياز. وقد تتفوق في مصيريتها على سائر الانتخابات التي مررنا بها منذ ثورة الأرز في إنطلاقتها. أما السبب في أهميتها القصوى، أنها تمثل محطة فاصلة ما بين نفوذ “حزب الله” الذي بلغ ذروته وأخذ معه لبنان إلى محور تقوده إيران في المنطقة، وبين محاولة لإستعادة دولة لبنان من هذا المحور على قاعدة أن الدولة و”حزب الله” المسلح، خطان لا يلتقيان.
ما يبعث الأمل على إمكان أن يتكرر مشهد 14 آذار 2005، أن قاعدته الأساسية ما زالت قائمة بالرغم من التعديل الذي طرأ عليها. قبل 17 عاماً كان تيار الرئيس رفيق الحريري ممثلاً بنجله والحزب التقدمي الاشتراكي و”القوات اللبنانية” وسائر قوى الاستقلال. اليوم، نجد أنّ قاعدة 14 آذار في جوهرها حاضرة، مع تميّز حضور الرئيس فؤاد السنيورة لملْء فراغ إبتعاد الرئيس سعد الحريري. أما سائر قوى الاستقلال، فهم على المنصة بشيبها وشبابها.
لا يعني أنّ هذا الأمل، اختفاء الكم الهائل من المصاعب التي يغرق فيها لبنان اليوم. لكن ما يعطيه فرصة، أن السلم الذي صعد عليه لبنان ليتخلص من الوصاية السورية عام 2005، ما زال قائماً كي يصعد عليه الوطن كي يستعيد الدولة التي لم تعد بعد سوى جزئياً برحيل جيش الأسد، على أن يقرر اللبنانيون في الانتخابات عودة الدولة بالكامل بامتلاكها وحدها السلاح الذي ينازعها فيه اليوم “حزب الله”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us