السنّة يتطيفون؟!
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان” :
هل يشارك المسلمون، وطائفة السنّة منهم تحديداً، في الانتخابات النيابية المقبلة ناخبين، أم ينكفئون؟
الجواب القاطع لن يتجلى إلّا من خلال مجريات يوم الإقتراع الموعود، وإن كانت مكاتب الإستطلاعات تتبارى في تقديم تقديرات لم تصب سابقاتها النجاح في جولات انتخابية سابقة. والسؤال الأجدر بالطرح، هو هل انتهى زمن عبور الطوائف الذي رفعت لواءه هذه الطائفة على هدي ما حمله زعيمها مؤسس تيار المستقبل الشهيد رفيق الحريري، وما تابعه، وأتبعه نجله سعد الحريري؟
وحّد اغتيال رفيق الحريري اللبنانيين، وقارب مسح الحدود الجغرافية – السياسية – الطائفية بينهم، وكان مشهد 14 آذار أول تعبيرٍ جدّيٍّ عن الوحدة الوطنية المنشودة منذ الاستقلال، في 22 تشرين الثاني 1943، والتي لم تغادر يوماً الحناجر، ولم تعمّر القلوب، وظلت أقرب إلى المسايرات العلنية، والمحاباة، أكثر مما هي عروة وطنية لا تنفك، ولا تسقط بمرور الأحداث.
مشهد رد الفعل الوطني ولّد شعوراً بالتماهي بين المحتشدين في قلب وسط بيروت، وجعل مما يفوق المليون حنجرة صوتاً واحداً يريد السيادة والإستقلال والحرية، ويريد الحقيقة في جريمة العصر. ومن رحم هذه الملامح الأساسية ليقظة وطنية، وُلد “تيار المستقبل” حاضناً لكل اللبنانيين، من كل الطوائف والمناطق، ومبلوراً مفهوما جدياً للوحدة الوطنية.
لكن ذلك لم يَرُق لجبهتين: الخصوم، من جهة، الذين يرون السيادة بالخضوع لوصاية نظام الأسد، أو بالتبعية لايران، ومن جهة مقابلة الحلفاء الذين يرون أن خصومتهم مع التيار العوني تحضهم على تصليب طائفيتهم، وهو ما لم يلقَ تجاوب كلّ قواعدهم التي رأت في ولادة “المستقبل” فرصة تاريخية لولادة لبنان الجديد الموعود منذ الإستقلال. وخارج هذه الأحزاب، عبّرت مجموعات، وشلل، وشراذم، عن رفضهم هذه الأحزاب، لجذورها الميليشياوية، وعجزهم عن صياغة استراتيجية موحدة تجمعهم، ويوم حلت انتخابات 2005 التشريعية، حلت التسويات البغيضة على ركام الموقف السياسي الصلب والشعبي، وبدل أن تحمي التظاهرة المليونية يوم 14 آذار 2005 إرادة التغيير، أسقطها ضعف الخبرة السياسية لدى القادة، وعدم تطهر بعضهم من الموروث الطائفي وعقلية المحاصصة. وهذا ما تكرر في التسوية الرئاسية بعد نحو 13 سنة، مع ميشال عون، الذي يملك قدرة على التملص من أيّ تعهد، وربما هذه من أبرز النقاط المشتركة مع حليفه الحزب المسلح، كإشعال حرب تموز 2006، برغم تعهد أمينه العام بألا يكون الصيف حاراً على اللبنانيين، أي ألّا يتسبب بإشعال حرب مع إسرائيل، وكذلك، كتعهّده بعدم استعمال سلاحه في الداخل، وهو ما كذّبه باجتياح بيروت في 7 أيار 2008 “المجيد”، وفق التسمية التي أطلقها إمعاناً في السخرية من مشاعر اللبنانيين الذين رأوا في كل ذلك، إمعاناً في التنكيل بالوحدة الوطنية، وترهيباً لا يُمارى، ونهجاً أوصلنا اليوم إلى تتويج التطمينات الواهية بالتسلط على الدولة، تسللاً حيناً، وجهاراً أحياناً، وتدميرا في كلّ حين.
لا تموّه الملامح السياسية في هذه المرحلة مدى الرهان على تصليب العصب الطائفي للفوز في الانتخابات، وإذا كان الأمر من المسلمات لدى الثنائي الشيعي، على عادته في بيئته الحاضنة، منذ ولد وشريكه، فإنه ليس مستجداً عند التيار الوطني العوني، والأمر نفسه تشي به بنية حزب القوات اللبنانية، فيما يلون “الحزب التقدمي الإشتراكي” صفوفه وطاقم قيادته بـ “نماذج” من طوائف أخرى، وبوضوح.
اليوم، وإذا استمرت الأمور على حالها، فإن “المستقبل” يقترب من نهج الحلفاء والخصوم، بغياب قائده عن العمل السياسي، وانكفاء أطره عن العملية الإنتخابية، ما يشعر قاعدته بحصار معنوي، يجعل من ارتدادها، أو أغلبيتها، إلى التحصن بالطائفة، إن لم يكن اليوم، فليس الغد ببعيد، فعندما يشدّ شخص طرف غطاء المائدة إلى جهته، يبادر الآخرون إلى حذوه، فكيف إذا كان أغلب الحاضرين لا يفعلون سوى ذلك؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |