لماذا يقرع “حزب الله” طبول حرب الانتخابات؟
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
من يحاول إجراء مقارنة بين الانتخابات التي خاضها “حزب الله” لأول مرة عام 1992 وصولًا إلى انتخابات عام 2018، وبين التحضيرات الجارية لدى الحزب لخوض السباق في منتصف أيار المقبل، يجد حالة توتر غير مسبوقة. فهل هناك أسباب لهذا التوتر؟
قبل الذهاب إلى الحديث عن الأسباب، لا بد من التوقف عند انخراط الأمين العام للحزب حسن نصرالله مباشرة في إدارة العمليات الانتخابية، الأمر الذي بدا استثنائيًّا بعدما كان سابقًا يتولّاها نائبه الشيخ نعيم قاسم. ما يعني أنّ نصرالله قرر وضع ثقله في السباق الانتخابي تفاديًا لأي ثغرات قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه في نتائج الانتخابات المقبلة.
ثمة مفارقة، لا يفوت الخبراء ملاحظتها في انتخابات هذه السنة، ألا وهي إظهار الحزب ثقته بإحراز انتصار مؤكد، بدءًا من ضمان بقاء مقاعد الطائفة الشيعية الـ 27 من حصة الثنائي الذي يضمه وحركة “أمل”، وانتهاء بضمان انتصار حلفائه، وفي مقدمهم “التيار الوطني الحر.” وفي المقابل، أكّد نصر الله أن هذه الانتخابات “مفصلية ومن أهم وأخطر المعارك السياسية التي تحدد على ضوء نتائجها بقية المعارك”. والسؤال هنا: ما دام زعيم “حزب الله” واثقًا من الفوز، فلماذا يتهيّب الانتخابات إذا حصلت؟
من بين الأسباب، التي يمكن الآن الحديث عنها، هو أن الكلام شيء والفعل شيء آخر. ففي المعلومات المتوافرة، أن استطلاعات الرأي التي تتوالى تفيد أن لبنان الذي نعرفه طوال حقبة الانتخابات التي خاضها “حزب الله” بين عامي 1992 و2018، لم يعد موجودًا. وكل ما كان يقال عن “البيئة الحاضنة” التي تباهى الحزب بوجودها من حوله طوال 26 عامًا، قد أصاب معظمها ما أصاب سائر لبنان في الأعوام الاربعة الماضية. فالعوز هو حال جميع اللبنانيين تقريبًا، أما الرفاه فصار أمرًا نادرًا.
يروي بعض الشهود في ما يسمى “البيئة الحاضنة” في البقاع الشمالي، وهي المنطقة التي يسعى “حزب الله” دومًا إلى السيطرة شبه الكاملة عليها انتخابيًّا، أن موسم الشتاء الحالي الذي كان استثنائيًّا في صقيعه، كشف المستور في ادعاءات الحزب ووعوده بتوفير مادة المازوت للتدفئة. فتبين بحسب هؤلاء الشهود، أن الناس الذين وعدهم الحزب بتوفير المادة لهم، قد حصلوا عليها لمرة واحدة، ومن ثم تركوا ليواجهوا البرد القارس ولو اقتضى الأمر ببعضهم لتكسير الأثاث كي يحولوا أخشابه إلى حطب لمدافئهم.
وفي سياق متصل، لم يعد الكلام في هذه البيئة عن مساوئ الحزب من المحرمات، كما كان الحال بالأمس القريب. ومن الأمثلة، أن الناس يجاهرون علانية بـ “احتلال” الحزب لأرزاقهم في مرتفعات البقاع الشمالي والتي حوّلها “حزب الله” إلى مناطق عسكرية محظورة على الجميع بمن فيهم، أصحاب الممتلكات في هذه المرتفعات.
ولا داعي هنا لتعداد مظاهر البؤس التي يتساوى فيها اللبنانيون في كل أرجاء الوطن. ففي الجنوب، كما في الشمال، يتظاهر المواطنون بلا انقطاع، ويلجأون إلى قطع الطرق، كي يعلنوا الشكوى من انقطاع الكهرباء والماء ومستلزمات الطبابة وغيرها. ولا أدل على هذا البؤس، من خروج أحد نواب الثنائي في منطقة صور قبل أيام لأداء مسرحية قطع التيار عن منطقة بكاملها كي يتم إصلاح أعطال بعضها. لكن المسرحية لم تنته إلى تصفيق.
إنها انتخابات مصيرية، كما قال نصرالله، لكن ليس للأسباب التي يرددها يوميًّا كل الفريق القيادي في “حزب الله” وأبرزها، هو التحذير مما يدبر لسلاح الحزب. ففي واقع الأمر، أن عنف الأزمات التي تجتاح لبنان، كفيل ليس فقط بإسقاط كل الهيكل التي شيّدته سطوة الحزب بعد عام 2005، ليحل مكان الوصاية السورية، بل كان كفيلًا أيضًا بإسقاط مشروعية سلاح أورث لبنان الجحيم بعدما تسلط على كل مقدرات هذا البلد، منتزعًا الوطن من بيئته العربية وإلحاقه بمحور الفقر الممتد بين بحر قزوين والمتوسط.
في اليوم التالي للانتخابات، أي في 16 أيار المقبل، كل الاحتمالات واردة. هناك من يخشى أن يطبق “حزب الله” وحلفاؤه على أكثرية المقاعد في البرلمان الجديد، ما يسمح له بالإتيان بحكومة ورئيس للجمهورية على مقاس العهد الحالي. حتى لو صح هذا الاحتمال، فسيعني أن لبنان صار فعلًا جحيمًا والذي سينفجر حممًا في وجه من قاده إليه. أما إذا أتت النتائج لتثبت أن زمن تحكم “حزب الله” في لبنان عبر صناديق الاقتراع قد ولىّ، وخصوصًا عندما تسقط ورقة التوت البرتقالية، فعندئذ ستكون بداية النهاية لسلاح لن ينال أية شرعية بعد اليوم.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |