الملفّ الأعرج في الطيّونة
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
بإعادة تحريكه الأعرج لملفّ الطيّونة يكون حزب الله قد قرّر تجديد معركة عزل القوّات اللبنانيّة، في لعبةٍ خطرةٍ أي لعبة السّيف ذو الحدّين. في الحسابات لدى الحزب أنّ المطلوب تطويق القوّات اللبنانيّة قبل الانتخابات وبعدها لإبقائها في زاويةٍ ضيّقةٍ لا تمكّنها من التّحرّك، فالمتّهم ينشغل بإثبات براءته، ولا يمتلك ترف إعطاء الأولويّة لأولويّاتٍ مُلِحّةٍ، والظرف والتوقيت قد يمرّران خلسةً مقاضاةً تجلب سمير جعجع إلى التحقيق، وتسقط وهم الحماية وعدم تكرار فيلم تفجير سيدة النجاة.
الحسابات إيّاها أعادت تحريك ملفّ الطيّونة إذ حاول القاضي فادي عقيقي أن يحرّك الملف ولكن دون أن يستطيع تحقيق شيءٍ هذه المرّة، فقد أتى الادّعاء مبنيًّا على شهادةٍ من أحد مقاتلي الحرب الّذين تحوّلوا إلى الممانعة، فقال ما قاله أمام الكاميرا، وبسحر ساحر ادّعى عقيقي على جعجع، دون أن يستدعي من أعطى الإفادة أو أن يُحقّق معه أو أن يتحقّق من شهادته، فكان المشهد القانوني تراجيدياً.
تجاوزاً لهذا الادّعاء الذي سبق تنحي القاضي للنّظر في الشكوى المقدمة ضدّه، يمكن القول إنّ عوائق ثلاثةً ستمنع تكرار فيلم سيدة النجاة في الطيّونة.
الأول قضائيّ، وهو يتمثّل في عدم استطاعة حزب الله أن يحرّك بعض القضاة بمرونةٍ أسوةً بما كان يفعله النّظام الأمنيّ في التسعينات. فتجربة تفجير الكنيسة دلّت على أنّه كان هناك جهاز أمنيّ يعدّ الملفّات بطريقةٍ مفبركةٍ لكن حرفيّة ويسلّمها للقضاء الّذي يجد بين يديه تحقيقاتٍ محبوكةً جيّداً، فيأخذ بها، دون أن يحقّق في خلفيّاتها. لكن اليوم لا يوجد لدى المحكمة العسكرية أيّ ملفٍّ جدّيٍّ صادرٍ عن الجيش أو أيّ جهةٍ أمنيّةٍ يتحدّث عن وجود كمينٍ أو قنّاصين على الأسطح. بل كلّ التّقارير تؤكّد أنّ ما حصل هو اعتداء في قلب عين الرمانة ثم اشتباك وسقوط ضحايا، وقد كان تصريح وزير الدفاع بعد ساعاتٍ من الحادثة خير دليلٍ على أن لا كمين ولا من يكمنون.
أما الثاني فهو سياسيّ، فقد بات صعباً تمرير هذه الملاحقة بحقّ جعجع بصمتٍ وترهيبٍ كما حصل في تفجير الكنيسة، وما المواقف التي أطلقت في أعقاب محاولة الملاحقة الأولى إلّا دليلًا على أنّ خطوةً من هذا النوع لا يمكن أن تبتلع، فيما جعجع نفسه لم يكن بوارد المثول لأنّه يعرف أنّ من خطّطوا لهذه الملاحقة سيتوقّفون في منتصف الطريق، وحتّى ولو عادوا وكرّروا المحاولة، فإنّها ستكون كما اليوم من باب التّهويل، وسيكون مصيرها السقوط لهشاشتها، في غربال القضاء.
والثالث يكمن في الجيش والقوى الأمنية، التي كانت حاضرة ميدانياً في غزوة الطيّونة. هذه القوى الأمنية تعرف بالوقائع وبالتحقيقات، أن لا وجود لكمينٍ ولا وجود للقناصّات، بل لشبّانٍ من المنطقة قرّروا منع الاعتداء على الأملاك والكرامات إن حصل الاعتداء. وتعرف القوى الأمنية بالتّحقيقات أنّ قتلى سقطوا بعد عدم امتثالهم لأمر وقف الظهور المسلّح وإطلاق النار، وهي تعرف أيضاً أنّ القوى العسكرية والأمنية قبل وخلال وبعد الحادثة كانت تخشى وجود كمينٍ وطنيٍّ كبيرٍ، وتفادت الوقوع فيه من خلال الضبط السريع لمجرى الأحداث بحيث لا تتحوّل إلى اشتباكٍ أهلِيٍّ كبير، سيضع الجيش أوّلاً في مهب الريح.
بعد الطيّونة كرّس الأمين العام لحزب الله ساعةً في خطابٍ مشهودٍ الهدف منه عزل القوّات اللبنانيّة لكن النتائج لم تكن على قدر التوقّعات، واليوم تتكرّر المحاولة لكن عبر أحد القضاة، وتسعى لسلوك طريق وعر لا يؤدي عادة إلّا إلى التحريض والتحضير لما يمكن أن يكون أكبر من مجرّد حملةٍ سياسيةٍ، فما جرى في الطيّونة أبلغ من المشاهد الحيّة التي أثبتت من كان في موقع الاعتداء.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |