المعوقون يوجهون رسالة واضحة إلى الحكومة اللبنانية: حقّنا الاقتراع بكرامة… وسنراقب تنفيذ مطالبنا الآن ونهار الانتخابات
كتبت رانيا حمزة لـ “هنا لبنان”:
يفصلنا حوالي الشهر ونصف عن موعد الانتخابات النيابية المزمع القيام بها في الخامس عشر من أيار المقبل 2022، هذا إن لم يطرأ حدث مفاجئ يحول دون إتمامها أو يفرض تأجيلها. حتى ذلك الحين كل المعطيات على الأرض تشير إلى أن اللبنانيين على موعد مع هذا الاستحقاق، فقد تشكلت اللوائح وبدأ المرشحون يطلقون خطاباتهم الطنانة بالوعود والرنانة بالمواقف ويطوفون على الناخبين في محاولة حصد تأييدهم، فيما قال وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي بتاريخ 2/4/2022 في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية “فرانس 24” “نحن اليوم جاهزون لوجستياً لإجراء الانتخابات… ونعمل حالياً على تأمين الكهرباء لمراكز الاقتراع ومراكز لجان القيد”.
هذه الجهوزية التي تحدث عنها المولوي، جاءت بعد يومين من تنظيم “الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا” اعتصامًا مطلبيًا أمام السراي الحكومي في بيروت، للمطالبة بتجهيز أماكن الاقتراع على نحو يسمح بتحقيق “عملية اقتراع دامجة تحترم التنوع”، فهل يا ترى أخذت الجهوزية التي تحدث عنها الوزير هذا المطلب بعين الاعتبار؟
حقوق المعوقين حبر على أوراق السنين
اثنان وعشرون عاماً مرت على صدور القانون 220/2000 ولا يزال الأشخاص المعوقون في لبنان يعانون لتحصيل أبسط حقوقهم، الحق في الكرامة الإنسانية في مختلف النواحي الحياتية، حيث يعاملون على قاعدة الشفقة والرحمة وليس كمواطنين يتمتعون بكل مزايا المواطنة الكاملة بقوة القانون علماً أنهم يشكلون 15% من مجمل المواطنين في لبنان. ولعل أبرز مظاهر الانتهاك لحقوقهم تظهر يوم الانتخابات، حيث يتم حملهم كأشوال البطاطا مع كل ما يشوب هذه العملية من مخاطر ومع كل ما يتخللها من إحساس بالمهانة، ويضاف إلى هذه الفئة من المواطنين كبار السن والنساء الحوامل الذين يعانون في كثير من الأحيان إلى حد الموت.
وقد سُجل بمعرض الانتخابات البلدية عام 2016 حادثتا وفاة رجل وامرأة نتيجة المجهود المبذول في عملية صعود السلالم من أجل الإقتراع. وفي الانتخابات النيابية الأخيرة 2018 صرح وزير الداخلية والبلديات السابق نهاد المشنوق خلال مؤتمر صحافي له عن 4007 حالة لأشخاص معوقين منهم مسنّون ونساء حوامل تم حملهم من أجل الوصول إلى مركز الاقتراع لممارسة حقهم بالانتخاب. وقد أقر كل من وزير الداخلية ورئيس الحكومة حينها بحصول “أخطاء إدارية في ملف اقتراع الأشخاص المعوقين”، وهو الأمر الذي أدى إلى تعرضهم لانتهاكات عدة.
6 مراكز فقط من أصل 1741 مجهزة لاستقبال المعوقين
في العام 2013 أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من السراي الحكومي أن هذا العام هو عام حقوق الأشخاص المعوّقين كما أعلن تبنيه دراسات تجهيز المدارس الرسمية في لبنان، التي قدّمها إليه رئيس اتحاد المقعدين اللبنانيين حسن مروّة، ولكن لم يتم تنفيذ شيء من كل الوعود. واليوم تعود الانتخابات النيابية والرئيس ميقاتي يترأس الحكومة اللبنانية، فهل يتذكر وعوده لهم أم يستمر نهج التطنيش المعتمد سيّما وأن المبرر هذه المرة حاضر ناظر: الأوضاع الاقتصادية والإفلاس الذي تعاني منه البلاد.
في حديث لموقع “هنا لبنان” مع أمين سر “الاتحاد” جهاد اسماعيل أشار إلى أنه نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد قام الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً بتخفيض سقف المطالب حتى لا يتم التذرع بالأزمة الحالية وقال: “كنا نطالب بـ “الميغاسنتر” (التسجيل المسبق للتمهيد لعملية اقتراع الأشخاص المعوقين في مكان السكن). كذلك كنا اقترحنا التسجيل المسبق ضمن مركز الاقتراع لنقل سجلات القيد في نفس المكان ليكون الاقتراع في الطابق الأرضي وقد ذهب الأمر بالتجاذبات السياسية. كما طالبنا بتطبيق المرسوم 2214 الصادر في العام 2009 والذي يقوم على تجهيز مراكز الاقتراع لاستقبال الأشخاص المعوقين ولكن اعتبروه حبرًا على ورق ولم يؤخذ به واليوم تماشياً مع الأوضاع الراهنة نطالب فقط باعتماد الطوابق الأرضية واستخدام المصاعد الكهربائية في حال وجدت، واستخدام أقلام الاقتراع في باحات مراكز الاقتراع في الأماكن التي لا يوجد فيها طوابق أرضية، وهذا الأمر لا يتطلب أموالاً ولا يستدعي موازنة”.
تابع: “أبدى وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي تأييده لمطالبنا ونحن اليوم نتمسك بهذه المبادرة والتجاوب من قبل وزير الداخلية ونقول له بأننا نراقبه وأن هذه مسؤولية وزارة الداخلية ومجلس الوزراء في آن. ونذكر أننا نريد أن تتحقق هذه المطالب وأن نلمس لمس اليد تحقيقها ونتأكد من أنه تمت الاستجابة لها قبل عشرين يومًا من موعد الانتخابات”.
أضاف: “نحن لن نسمح مجدداً بجريمة ومهزلة حملنا على الأدراج ومصادرة صوتنا. نحن مواطنون وأشخاص مقترعون ولنا الحق في عملية انتخابية دامجة. وحتماً سنقوم بحملتنا الحقوقية بمراقبة الانتخابات ومدى تطبيق وعودهم لنا يوم الانتخابات”.
وختم قائلاً: “لتكن سابقة ولنبدأ باعتمادها بالتحضيرات في كل مرة تحصل فيها انتخابات وذلك من أجل الحد من عملية انتهاك حقوق الأشخاص المعوقين الذين يصار إلى حملهم من أجل الاقتراع”.
وكان الاتحاد قد زود وزارة الداخلية بالمعلومات اللازمة، وبنتيجة دراسة أعدتها الوحدة الهندسية فيه، هي عبارة عن نسخة محدثة عن المسح الميداني الشامل لمراكز الاقتراع، خلصت إلى أن ما نسبته أربعين في المئة من المراكز تتضمن غرفًا في الطوابق الأرضية، وأن المصاعد متوفرة في 21 مركزًا، وهي قابلة للاستخدام. أما في الأماكن الأخرى فينبغي استحداث أقلام في الملاعب والباحات.
يذكر أنه في العام 2009 أجرى اتحاد المقعدين اللبنانيين مسحاً شاملاً لمراكز الاقتراع في لبنان للوقوف على مدى أهلية هذه المراكز لاقتراع الأشخاص المعوّقين. وذلك وفق المعايير الدنيا (المواقف، المداخل- المنحدرات، المصاعد، الأروقة، الغرف والمراحيض)، وبنتيجة المسح تبين أن 6 مراكز فقط من أصل 1741(معظمها مدارس) تتمتع بجميع المواصفات.
الخوف من الإيذاء الجسدي والإهانة
نظم الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً، بتاريخ 30/3/2022 اعتصاماً مطلبياً أمام السراي الحكومي تحت عنوان “نحو عملية اقتراع دامجة تحترم التنوع”. بدأ الاعتصام بتجمع الناشطين المعوقين والمتطوعين أمام مسجد محمد الأمين وسط بيروت، قبل أن ينطلقوا إلى ساحة رياض الصلح على وقع الأغاني الوطنية حاملين لافتات طالبت بالاقتراع “من الأرضي بيطلع صوتي”، وناشدت “احترموا حقنا واستعملوا الطوابق الأرضية”.
“أشعر بالخوف من الازدحام الذي سيكون يوم الانتخابات والذي سيعرض حياتي إلى الخطر” بهذه الكلمات يبدأ سلام رمال حديثه مع “هنا لبنان”، هذه ستكون المرة الأولى التي يشارك فيها بالانتخابات اقتراعاً، بعد أن بلغ السن القانوني الذي يؤهله لذلك وهو يعاني من صعوبات حركية ويستعين بعكاز في تنقلاته وهو يأمل بأن تكون صرخة المعوّقين أمام السراي الحكومي محفزة للمعنيين بالالتزام بواجباتهم وتأمين أبسط حقوقهم بالاقتراع بكرامة.
أما الشابة دموع زبيب فوجدت بهذا الاعتصام فرصة للتذكير بمجمل الحقوق المغيبة للأشخاص المعوقين في هذا البلد من التعليم إلى العمل والطبابة ولفتت إلى غياب الوعي لدى الناس عموماً حول هذه الحقوق وقالت: “نحن نواجه صعوبة في تقبلنا في مجالات العمل مع أننا مواطنون مثلنا مثل غيرنا، وأنا كامرأة عاملة أجد أنني بحاجة دائماً إلى إثبات كفاءتي وجدارتي في تولي المنصب الموكل إليّ”. وعن تجربتها يوم الاقتراع قالت: “في العادة يقوم عمي ووالدتي بمساعدتي في صعود الأدراج للاقتراع وهذا الأمر محرج جداً وعندما يعرض عليّ المندوبون المساعدة من خلال حملي أشعر بإهانة كبيرة تدفعني إلى رفض الموضوع”.
اللقيس: المشاركة في الانتخابات حقنا وينبغي على الحكومة أن تزيل أي عوائق من أمامنا
وخلال الاعتصام ألقت رئيسة الاتحاد سيلفانا اللقيس كلمة سألت خلالها: “هل ستتكرر المشاهد المُذِلة لحمل المقترعين المعوقين على الأدراج في مراكز الاقتراع؟ هل يشعر مجلس الوزراء بحجم الأذية الناتجة عن احتقار إنسانية الشخص المعوق، والنظر إليه كمجرد صوت انتخابي وتعريض كرامته للإهانة في كل انتخابات عامة منذ اتفاق الطائف حتى اليوم؟ ألم يحن الوقت كي تحترم الحكومة اللبنانية حقوق الإنسان؟”
كما ذكرت “رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنه عام 2013 وعد الأشخاص المعوقين بنيل حقوقهم وأخلف وعده”. وقالت: “نقف اليوم لنذكّر رؤساء الحكومات ووزراء الداخلية المتعاقبين منذ 22 عامًا أنهم لم يقوموا بالحد الأدنى من واجباتهم تجاه 15 في المئة من المواطنين اللبنانيين. كل القوانين والمراسيم والقرارات والتعاميم كانت بالنسبة إليهم حبرًا على ورق، وكل عودهم كانت كاذبة”.
تابعت: “كنا قد رفعنا ثلاثة مقترحات تستهدف ممارسة الشخص المعوق حقه الانتخابي باستقلالية وكرامة، بدءًا من الميغاسنتر، مرورًا بالتسجيل الاستثنائي للناخبين المعوّقين في مراكز مجهزة ضمن دوائرهم الانتخابية، لكن هذين المطلبين لم يتحققا وهما قيد التجاذب السياسي. فوصلنا إلى المقترح الأخير المتعلق باستخدام الطوابق الأرضية في مراكز الاقتراع واستخدام الملاعب كأقلام، وتشغيل المصاعد حيث توجد”. وختمت: “إن المشاركة في الانتخابات حقنا وينبغي على الحكومة أن تزيل أي عوائق من أمامنا كي نمارس هذا الحق بكرامة واستقلالية، أما مشاهد الإذلال التي شهدناها خلال السنوات الماضية فهي جريمة بحق المقترعين المعوقين لم نقبل ولن نقبل بها”.