طرح الثقة بوزير الخارجية بين الأخذ والرد.. مالك لـ “هنا لبنان”: مخالفات مثبتة في تصاريحه
كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:
دخلت قضية انتخاب المغتربين اللبنانيين واتهام وزارة الخارجية اللبنانية بالقيام بمخالفات في توزيع مراكز الاقتراع في مدار “الأخذ والرد” والسجالات التي لا تنتهي على أبواب الانتخابات النيابية.
تحذيرات مستمرة من “تفخيخ تصويت المغتربين” في ظل تساؤلات حول سبب عدم اعتماد تجربة العام 2018 التي لم يعترض عليها أحد. فهل هذه الممارسات تندرج في إطار كتم أصوات المغتربين اللبنانيين؟ وما سبب اعتماد الرمز البريدي في تحديد مراكز الاقتراع وعدم توزيع الناخبين على الأقلام الأقرب إلى أماكن سكنهم؟ إضافة إلى التأخر بتعميم لوائح الشطب لغير المقيمين وغيرها من الممارسات التي رأى فيها البعض نوع من “الحبكة” لتقييد حق المغتربين اللبنانيين بالاقتراع. ما دفع بتكتل الجمهورية القوية إلى تحميل وزير الخارجية عبدالله بو حبيب المسؤولية وإلى تقديم طلب عقد جلسة للهيئة العامة للمجلس النيابي بهدف طرح الثقة بوزير الخارجية.
الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك أكد لموقع “هنا لبنان” أنّه “من الثابت أنّ وزير الخارجية يتصرف بطريقة تدعو إلى الريبة والشك لا سيما لجهة القرارات التي يتخذها بالنسبة لانتخابات الخارج، إذ أنّ دور وزارة الخارجية تسهيل عملية الاقتراع في الانتشار فيما نرى أنّ تصرفات وزارة الخارجية وبإيعاز من الوزير شخصيًّا تدعو إلى الريبة والتساؤل عن الفحوى والمضمون والخلفية”.
يستند طلب طرح الثقة بوزير الخارجية إلى نص المادة 37 من الدستور التي تنص بشكل صريح على “أنّ حق طلب عدم الثقة مطلق لكل نائب في العقود العادية وفي العقود الاستثنائية ولا تجري المناقشة في هذا الطلب ولا يقترع عليه إلّا بعد انقضاء 5 أيام على الأقلّ من تاريخ إيداعه أمام عمدة مجلس النواب وإبلاغه للوزير المعني”، وهنا يشير مالك إلى “أنّ الإجراءات الواجب اعتمادها بعد أن تقدّم التكتل بهذا الطلب، أن يبلغ إلى وزير الخارجية الذي لديه مهلة 5 أيام للجواب عليه ومن ثم على رئاسة مجلس النواب ومن دون أن تكون مقيّدة بمهلة محددة، أن تعيّن موعد جلسة لمناقشة الوزير ولطرح الثقة به والتصويت عليها. مع العلم أنّ النظام اللبناني القائم هو نظام برلماني قائم على ثقة مجلس النواب بالحكومة مجتمعة أو أفراد، وبالتالي الكرة في مرمى مجلس النواب إما بالموافقة على ما أقدم ويقدم عليه وزير الخارجية وذلك عن طريق رد طلب الثقة وإما عن طريق قبول طرح الثقة ونزع الثقة عنه عندها يقتضي عليه وعملًا بأحكام المادة 68 من الدستور التي تنص على أنّه عندما يقرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء وفقًا لأحكام المادة 37 وجب عليه أن يستقيل”.
ولكن هل سُجل في تاريخ لبنان أن قُبل يومًا طلب طرح ثقة بوزير؟
لم يحدث على الإطلاق قبل الطائف وبعده نزع الثقة عن وزير، حتى أن مالك يؤكد أن نزع الثقة عن الحكومة لم يجرِ يومًا “وأنه كان هناك نية ورغبة بطرح الثقة بحكومة الرئيس الراحل عمر كرامي لمرتين، إلّا أنّه تقدم يومها باستقالة حكومته وبالتالي لم يحصل سابقًا أن طرحت الثقة بوزير وأن صادق مجلس النواب على سحب ونزع الثقة على رغم أنّه سبق وطلب عدد من النواب طرح الثقة بوزراء معينين ولكن مجلس النواب كان دائمًا يُسقط هذا الموضوع .”
أما السبب فيعود إلى أن الحكومات قائمة على نظام توافقي وليست حكومات أكثريات حتى نتكلم عن أكثرية وأقلية، هي حكومات توافقية تمثل كامل مجلس النواب وكل وزير يمثّل فريقًا وبالتالي أيّ اختلال بهذا التوازن من الممكن أن يطيح بالحكومة ككل .
صحيح أن المحاذير كثيرة إلّا أنّه، بحسب مالك، “في الحياة الديمقراطية وفي الأنظمة البرلمانية يجب الذهاب إلى نزع الثقة عن أيّ وزير مقصّر أو أي وزير اقترف فعلًا أو اتخذ قرارًا لا يتلاءم مع سياسة الحكومة وأضر بمصالح الوطن والمواطنين، بالتالي وزير الخارجية بهذه التصرفات التي أقدم عليها قد أساء إلى المغتربين وأساء إلى الناخبين المنتشرين ومنع عنهم حقًّا مقدّسًا دستوريًّا وهو حق الاقتراع والمشاركة في الحياة العامة وبالتالي تقع عليه اليوم مسؤولية كبيرة إن لم نقل مسؤولية مدوّية، ونزع الثقة عنه بأي نظام برلماني يقتضي أن يحصل بسبب التقصير الفاضح والواضح من قبله”.
مالك أشار إلى أنه “قد أثبت على وزير الخارجية ما تفوّه به هو عندما قال أن ما جرى من مخالفة في سيدني الأسترالية هو نتيجة تسجيل خاطئ من قبل بعض الأحزاب لبعض المنتشرين أي يقر تلقائيًّا وبشكل غير مباشر بوجود أخطاء وثغرات إن لم نقل فجوات ولكن يضع هذه المسؤولية على عاتق الأحزاب وبمجرد أن يذهب وزير الخارجية إلى تأكيد حصول هذا الخلل ما يعني إقرارًا منه أنّ هذه الانتخابات تشوبها مخالفات كبيرة.”
وإن كان لم يحصل يومًا أن نزعت الثقة عن وزير لماذا أقدم تكتل الجمهورية القوية على هذه الخطوة؟
هو يقوم اليوم بواجبه إذ عندما قرر التكتل، بحسب مالك، البقاء في مجلس النواب وعدم الاستقالة بعد انفجار 4 آب حتى يمارس مهامه ودوره، وإما أن تؤتي هذه الخطوة بنتيجة أو لا، هذا الأمر رهن إرادة مجلس النواب مجتمعًا ولكن يقتضي على كل نائب أن يمارس دوره كما يقوم اليوم تكتل الجمهورية القوية بممارسة دوره كنائب عن الأمة في نظام برلماني وبالنهاية الاحتكام هو لتصويت مجلس النواب وللغالبية التي يمكن أن تذهب باتجاه نزع الثقة من عدمها.
مع العلم أن هذه التجاوزات قد تشكل مادة طعن أمام المجلس الدستوري لكل من يعتبر نفسه قد تضرر بانتخابات الخارج ولكن القرار حينها يعود إلى المجلس الدستوري الذي يقرر إن كانت هذه المخالفات قد تؤدي إلى إبطال الانتخابات أو النتائج أو لا .
ويبقى أن الاقتراع حق من الحقوق الأساسية للمواطن وأي محاولة لإلغاء اقتراع الناخبين في الخارج تعتبر بمثابة سلب لحق كفله الدستور والقانون .
مواضيع مماثلة للكاتب:
حراك دبلوماسي تجاه لبنان مستفسراً ومحذّراً… | هل تقرّ موازنة 2024 والزيادات الضريبية بمرسوم حكومي؟ | ﻣﻌﺮض ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2023: رسالة صمود وتكريس لدور لبنان الثقافي |