عن هزيمة اليمين المتطرف في فرنسا
كتب رامي الريّس لـ”هنا لبنان”:
لا يمكن التقليل من قوّة الصفعة التي تلقاها اليمين الراديكالي الفرنسي جرّاء إسقاط مرشحته الدائمة مارين لوبين بفارق كبير في الأصوات عن الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون الذي نجح في البقاء في قصر الإليزيه لخمس سنواتٍ إضافيّة.
كما أنه لا يمكن التقليل من مفاعيل هذه الصفعة ليس فقط على الداخل الفرنسي، رغم أهميته بطبيعة الحال، إنما أيضاً على صعيد القارة الأوروبيّة بأكملها لما لفرنسا من ثقل ووزن على صعيد الاتحاد الأوروبي ودورها المحوري فيه على المستويات السياسيّة والاقتصاديّة والدفاعيّة.
أن ينكسر اليمين الفرنسي المتطرف يعني بداية الحد من موجات التطرف التي اجتاحت أوروبا نتيجة تنامي الإسلاموفوبيا خصوصاً، وصعود التيارات العنصريّة عموماً، وهي الاتجاهات التي سيطرت على المناخ السياسي الأوروبي بسبب الأعمال الإرهابيّة المشينة المتفرقة التي استهدفت فرنسا وبلجيكا ودولًا أوروبيّة أخرى.
لم يكن مستبعداً أن يشكل انتصار اليمين الراديكالي في فرنسا حافزاً ومظلة للتيّارات اليمينيّة المتطرفة في مختلف العواصم الأوروبيّة التي تشكل فيها رأي عام مناهض للهجرة والنازحين وعبّر عن نفسه في احتجاجات شعبيّة غادر بعضها مساحات الاعتراض السلمي الديمقراطي من خلال توسل العنف لا سيّما في الأحياء الفقيرة والأرياف والمناطق المكتظة بالنازحين والمهاجرين. وغنيٌ عن القول إن كل هذه التطورات ساهمت في تأجيج المناخات العنصريّة وفي رفع مستوى المشاعر القوميّة المرتكزة على شوفينيّة ورؤية انغلاقيّة تعود إلى العصور الغابرة.
أما العنصر الأكثر أهميّة في هذه اللحظة السياسيّة التي سجلت هزيمة اليمين الفرنسي فهي أن هذه النتيجة ستعيد إنتاج مناخات جديدة لفكرة أوروبا الموحدة التي تعرّضت وتتعرّض لاهتزازات هيكليّة عميقة بدأت مع خروج بريطانيا من الاتحاد بما لها من وزن ودور وموقع، ولم تنته مع الحرب الروسيّة على أوكرانيا التي لم تضع أوزارها بعد وهي شكلت تهديداً كبيراً للمشروع الأوروبي برمته.
إن الاتّكال الأوروبي الكامل على حلف شمال الأطلسي (الناتو) في المجال الأمني والدفاعي بات يحتاج إلى قراءة جديدة ومقاربة مختلفة عن تلك التي تولدت على أعتاب انتهاء الحرب العالميّة الثانية في منتصف القرن الماضي والتي عكست نفسها في انضواء المعسكر الغربي برمته تحت مظلة حلف “الناتو” بقيادة أميركيّة أفرزتها نتائج الحرب التي خرجت منها الدول الأوروبيّة منهكة.
يستطيع الاتّحاد الأوروبي، بمختلف هيئاته ومؤسساته، أن يلتقط الأنفاس مجدداً وأن ينفذ من الدفع السياسي الذي سيتحقق بعودة ماكرون القوية إلى الإليزيه وأن يضع جانباً، ولو مرحليّاً، كابوس انهياره الذي كان على قاب قوسين أو أدنى لو فاز اليمين الفرنسي.
ثمّة تحولات كبيرة سوف تشهدها فرنسا وأوروبا بعد طي صفحة الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة، ومن الطبيعي ألا يكون الشرق الأوسط بمنأى عنها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |