هل يحضّر “حزب الله” لنشوء “حماس لاند” في جنوب لبنان؟
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان” :
منذ فترة طويلة تعود إلى حقبة ما قبل حرب عام 2006، لم يعد “حزب الله” يقدم عروضاً عسكرية. لكنه، وقبل أيام خلال “يوم القدس العالمي” الذي كانت له فعاليات في إحدى قاعات الحزب بالضاحية الجنوبية لبيروت ، قدم “حزب الله” مثل هذا العرض ولو رمزياً، حمل خلاله عسكريو الحزب مجسداً للمسجد الأقصى ليضعوه على منصة القاعة. فهل إنطوى العرض على مغزى عسكري يعيد إلى الأذهان مرحلة تباهي الحزب بقدراته القتالية، أم ليقول شيئاً آخر؟
الجواب يبدأ من كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال “يوم القدس” الذي تعود فكرته إلى مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني بعد إنتصار ثورته عام 1979. ففي هذه الكلمة، قال نصرالله: “يجب مواصلة العمل لبناء القدرات والإمكانات، القدرات البشرية والتسليحية والعسكرية في كل الساحات، في فلسطين في لبنان، في كل دول المنطقة المعنية بهذا المحور…”، وكانت إشارة نصرالله إلى كل من فلسطين ولبنان بالاسم بمثابة تأكيد أن مساحة حرية الحركة للنفوذ الإيراني باتت محصورة بهذين المكانين. فهو مثلاً لم يشر إلى سوريا حيث تعمّق النفوذ الإيراني في الأعوام الأخيرة لا سيما منذ بدء الحرب في هذا البلد بعد نشوء انتفاضة الشعب السوري عام 2011. لكن سوريا التي باتت موزعة على عدد من مناطق النفوذ لا سيما النفوذ الروسي والأميركي إضافة إلى النفوذ التركي في شمال سوريا، وسط تصاعد الضربات الإسرائيلية الجوية لمواقع الحرس الثوري الإيراني وأذرعه وفي مقدمها “حزب الله”، لم تعد (أي سوريا) الساحة الملائمة لتطوير سيطرة طهران الخارجية. وهنا، لا بد من التوقف عند التطور المستجد في تركيا حيث تمثل بإغلاق السلطات التركية لمراكز لحركة “حماس” أحد القوى البارزة في تنظيم الأخوان المسلمين العالمي، والتي تسيطر على قطاع غزة الفلسطيني، بسبب عودة العلاقات الدافئة بين أنقرة وعدد من أقطار الخليج العربي وفي مقدمها السعودية، ومثلها كذلك مصر، وكل هذه الدول تعتبر حركة حماس “تنظيماً إرهابيا.”
ماذا يعني بالنسبة لإيران أن توصد الأبواب بوجه حركة “حماس” في معظم مناطق الشرق الأوسط؟ الجواب، هو أن طهران تكاد تفقد أحد أركان الثالوث الاستراتيجي الذي نشأ بعد انتصار الخميني قبل 43 عاماً، وسمح للحكم الإيراني الجديد أن يتغلغل في المنطقة تحت ستار حركات المقاومة التي أسسها الحرس الثوري الإيراني مثل “حزب الله”، أو تلك التي دعمها بقوة منذ عقود، كحركة “حماس.” من هنا كان لافتاً، حجم الدعم الذي أعلنه “حزب الله” في الأسابيع الأخيرة للحركة، وظهر جلياً مع وصول نائب رئيس حركة “حماس” الشيخ صالح العاروري إلى الضاحية الجنوبية لبيروت قبل أسابيع قليلة من أجل “عقد اجتماع فصائلي في لبنان لحماية القدس والمقدسات،” وفق ما ذكرت المصادر القريبة من “حماس” في حينه. ولم تتأخر نتائج هذا الاجتماع في الظهور . ففي 24 نيسان الماضي، إنطلق صاروخ من “غراد” الذي تعود صناعته إلى أيام الاتحاد السوفياتي الغابر، من منطقة ساحلية في جنوب لبنان بإتجاه إسرائيل من دون أن يحدث سقوطه إصابات أو أضرارًا تذكر، فسارعت إسرائيل إلى إطلاق قذائف نحو عدد من المناطق في الجنوب تقع في نطاق المنطقة التي انطلق منها صاروخ “غراد.”
أول قراءة إسرائيلية لهذا الحدث الأمني الذي ليس هو الأول من نوعه، ورد في 26 نيسان الماضي عبر هيئة البث الرسمية “كان” التي قالت أن التقديرات في إسرائيل تفيد بأنّ حركة “حماس” هي المسؤولة عن إطلاق القذيفة الصاروخية. كذلك أفادت “كان” في وقتٍ سابق أن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قال في محادثات مغلقة، “إن “حماس” تنشط بسياسة not in my back yard (ليس في ساحتي الخلفية)”، لافتًا إلى أنّهم” في إسرائيل يلحظون أن “حماس” تعمل على تشجيع التصعيد في القدس وفي الضفة الغربية وفي مناطق أخرى، لكن ليس في غزة” وفق ما ذكره غانتس.
وفي سياق متصل، كتبت صحيفة النيويورك تايمز في الوقت نفسه تقول: “ظلت غزة، التي لا تزال تحت حالة شبه حصار تفرضها إسرائيل ومصر، هادئة هذا العام أيضاً. ولم تطلق حماس أيًّا من ترسانتها من الصواريخ منذ وقف إطلاق النار في أيار 2021”. كذلك أوردت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن “حماس” التي تقف وراء إطلاق الصاروخ من جنوب لبنان، هي “تنشط في جارة إسرائيل الشمالية(لبنان) منذ عقود، حيث يتم تنفيذ نشاطها العسكري (في لبنان)، بمساعدة وإشراف الفرع الفلسطيني لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.”
يقارن عدد من الخبراء ما يجري اليوم على صعيد العمل الفلسطيني المسلح وبين ما كان عليه عام 1970، أو كان سميّ بـ “أيلول الأسود”، حيث نشبت حرب بين القوات المسلحة الأردنية وبين المنظمات الفلسطينية إنتهت بخروج الأخيرة من الأردن وتمركزها في لبنان لا سيما في المنطقة التي كانت تدعى “فتح لاند” أي “أرض فتح” والأخيرة كانت تعمل بقيادة ياسر عرفات (أبو عمار) الذي صار لاحقاً رئيسًا في مناطق السلطة الفلسطينية التي نشأت بموجب إتفاق أوسلو المبرم بين إسرائيل وعرفات برعاية أميركية عام 1993.
لا يزال كثير من اللبنانيين يذكرون حقبة العمل الفلسطيني في لبنان من ستينيات القرن الماضي الذي توّج بـ “إتفاق القاهرة” الذي جرى التوصل إليه في العام 1969 برعاية مصرية، ما سمح للعمل الفلسطيني المسلح بحرية الحركة في مناطق محددة بجنوب لبنان حمل إسم “فتح لاند”. فهل جاء الوقت لتكرار هذه التجربة ولكن هذه المرة على يد إيران من خلال “حزب الله”؟
ما قاله نصرالله في “يوم القدس” يرجح أن طهران تحضّر لشيء ما في لبنان من أجل أن يستعيد عمل العمل الفلسطيني المسلح التابع لها حيويته بعدما تراجع بسبب القيود المفروضة عليه خارج غزة. فهل سنسمع قريباً بنشوء “حماس لاند؟”
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |