نصرالله والسردية المفكّكة
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
أن تكون المقاومة العنوان الدائم الذي تستسلم له كل عناوين ومقومات الحياة فهذا يعني أنّ ما من سبيل لاستعادة الحياة الطبيعية إلّا بعد وضع هذا العنوان حيث يستحق. فما قاله الأمين العام لحزب الله، في احتفالٍ انتخابيٍّ، كان متوقعاً، حيث أراد أن يبرز أولويّته التي لا أولويّات بعدها وهي المقاومة، متجاهلاً الواقع الكارثيّ الذي كانت المقاومة أحد الاسباب الرئيسية في الوصول إليه، ومتجاهلاً أنّ المقاومة لا تُؤكل ولا تُلبس ولا تبني الجامعات والطرق ولا تُؤمّن كرامة العيش، لا بل أن أكلافها السياسية والوطنية قد دُفعت مسبقاً وستُدفع لاحقاً من رصيد اللبنانيين ومن حلمهم بإقامة دولة، لا تحالف فيها للفساد والسلاح، ولا تقهقر إلى مستوى التسوّل، ولا هيمنة على قرارها، ولا اختطاف لها لمصلحة دولة كإيران.
والواقع أن سردية المقاومة وحماية الجنوب التي ترِدُ دائماً على لسان السيد نصرالله، كلّما أراد تصليب تمسّك بيئته بالسلاح، تفتقر إلى الحدّ الأدنى من أمانة السرد التاريخي. فسلاح الحزب وترسانته بنيت كورقة من أوراق إيران في المنطقة، ولم تبنى كي ينتهي دورها عند انسحاب إسرائيل بموجب الخط الأزرق. هكذا تصبح هذه السردية لاغيةً بلسان من يتحدّثون عنها، وأوّلهم السيد نصرالله الذي يتحدّث عن أنّه جزء من محور إيران، الذي لم يستعمل السلاح يوماً ضدّ إسرائيل ذلك على الرغم من تعرّضه لآلاف الغارات الإسرائيلية في سوريا والعراق، بل اقتصر دور أتباع المحور في لبنان وسوريا والعراق واليمن، على تحويل هذه الدول إلى محميات إيرانية مزروعة بالميليشيات، التي تسيطر على قرارها السياسي بالترهيب.
وإذا كان للماضي أن يتكلّم قبل الانسحاب الإسرائيلي في العام 2000، فإن بروفة الانسحاب من جزين لم تلقَ المعارضة إلّا من حزب الله وحلفائه، أما البروفة أي انسحاب العام 2000، فقد لقيت نفس المصير حيث وصل الأمر بالممانعة إلى اعتبارها مؤامرة، وهذا أغرب ما يمكن أن يواجهه جيش محتل وجد أن من احتلهم يرفضون انسحابه الذي كان آمناً بكل المقاييس.
أما رواية استنكاف الجيش عن حماية لبنان قبل العام 1975، فيمكن اعتبارها الأبرز في سلسلة الأساطير التي يحاول حزب الله زرعها في أذهان أهل الجنوب. فالحدود مع فلسطين كانت مستقرة حتى نشوء فتح لاند في العرقوب، بموافقة وغطاء عربي حتى من بعض دول الطوق كمصر عبد الناصر، التي صاغت مع الرئيس فؤاد شهاب تفاهماً تم بموجبه تحييد جبهة الجنوب، التي لم تشتعل فعلياً إلّا بعد أيلول الأسود وتحول نشاط منظمة التحرير الفلسطينية إلى العمل الفدائي حصراً من الجنوب، وهذا ما سبب خلافاً بين المنظمة والإمام موسى الصدر.
قصة الجيش المنكفئ وغير القادر التي وردت على لسان الأمين العام للحزب تدحضها أيضاً وبكل وضوح محاولة حزب الله منع الجيش من أن يكون على الحدود بعد العام 2000 ووصفه للجيش بأنه سيكون حارساً للحدود، ولقد تم تخوين رفيق الحريري عندما قررت حكومته إرسال الجيش إلى الجنوب، هذا الجيش الذي لم يستطع الانتشار إلّا بعد حرب العام 2006، وبعد صدور القرار 1701 .
مرة يختزل نصرالله التمسك بالسلاح بالمقاومة في وطن تحرر، ومرات يقول ما هو أوضح بأن هذا السلاح مرتبط بمحور عاصمته طهران ومدى انتشاره يصل إلى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. هذا التناقض ليس وليد الصدفة، فطهران تعتبر أن الفصائل المسلحة التي زرعتها في هذه الدول هي خط الدفاع عن مصالحها وعن مشروعها لا بل عن طهران نفسها، أما ادعاء أن هناك مقاومة لردع الاحتلال فهو تضليل لا يصدقه حتى قائلوه.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |