المهمة الأصعب لنواب المجتمع المدني
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان” :
من الخلاصات الكبرى للانتخابات في لبنان، اختراق المجتمع المدني للستار الحديدي للقوى الحزبية والسياسية التقليدية. هذا الاختراق يمكن الكلام فيه وعنه الكثير، خصوصاً في المحطات السريعة الآتية التي من المفترض أن يواجهها بشجاعة ونجاح، بحيث يستطيع أمام شريحة واسعة من اللبنانيين اختارته باعتباره المنقذ، أن يقدم النموذج الذي يمكن المراكمة عليه للشهور والسنوات المقبلة، في الطريق إلى التغيير.
12 إلى 15 نائباً جديداً شقوا طريقهم، في معظم الدوائر، بدءاً من العاصمة التي انحاز فيها التصويت السني إلى إعطاء ابراهيم منيمنة ورفاقه، ثلاثة مقاعد ثمينة، وسط مشاركة كثيفة، وغياب للمقاطعة، وكل ذلك يعني أن هؤلاء استطاعوا كسب ثقة البيروتيين، باعتبارهم البديل الذي يمكن الركون إليه، بعد اعتكاف الرئيس سعد الحريري.
في الجبل كان الدرس بليغاً أيضاً، إذ تمكن ثلاثة شبان أن يخترقوا الموزاييك الطائفي المتعدد من دروز ومسيحيين وسنة، وأن يفوزوا في قضائي الشوف وعاليه وأن يقصوا في طريقهم، زعامات تقليدية، وهذا ما لم يكن من الممكن أن يحدث لولا ثورة 17 تشرين.
في الجنوب الثالثة، كان الاختراق معبراً جداً. مقعدين في بحر من الأصوات والتحالفات المحمية من ثنائي أمل وحزب الله، استطاع فيها علي مراد والياس جرادي وفراس حمدان ووسيم غندور ورفاقهم، أن يتحدّوا قبضة الحزب وموجات التخوين بالعمالة، وأن يجمعوا حاصلين كانا كافيين لضرب تماسك الثنائي، الصامد منذ ثلاثين عاماً وإلى اليوم.
في البقاع الغربي تكرر الامر نفسه مع ياسين ياسين، الذي أجبر فوزه إيلي الفرزلي وحماته على استقدام صندوق مشبوه لإسقاط المرشح الفائز بالحاصل الآتي من عرق الجبين، لكن كان الضغط الشعبي بالمرصاد، وفشلت المحاولة وتم تثبيت فوز ياسين، لينضم إلى رفاقه الفائزين في كل المناطق.
في الشمال أيضاً يمكن الحديث عن نواب أتوا بقوة التغيير منهم رامي فنج طبيب الأسنان الناشط الدائم في الساحات الذي يتكلم لغة الناس بمفهوم السياسة الحديثة المعنية بهموم المواطن لا بمتاهات التضليل والتحريض الطائفي.
هذا العدد الوازن من النواب، سيكون أمام مسؤوليات جسام باعتبار أن كل نائب من هؤلاء مرشح لأن يكون نموذجاً في عمل برلماني حديث، يدفن المدرسة القديمة التي لفظها جزء معتبر من اللبنانيين إلى غير رجعة.
سيتعامل هؤلاء في مهمتهم الأولى مع التجديد للرئيس نبيه بري في الجلسة الأولى للمجلس الجديد، وسيصوتون بـ “لا” واضحة، ولن يتركوا لغيرهم من الكتل السياسية مجالاً للمناورة أو التسويات.
سيتعامل هؤلاء مع تكليف رئيس جديد للحكومة، لن يختاروه من النادي التقليدي، ربما يقع الاختيار على ابراهيم منيمنة، مع العلم المسبق أنه قد لا ينال سوى أصوات هؤلاء، لكنهم بذلك سيواصلون طريقهم في هدم أسوار المدرسة القديمة للتسويات التي لم تعد تصلح لزمن الانهيار.
ومهما كانت طبيعة الحكومة الجديدة وهوية رئيسها وتركيبتها، سيكون هؤلاء في جلسة الثقة، في المقدمة والمساءلة والمحاسبة، وإذا ما نالت الثقة، سيتولون المراقبة تحت قبة المجلس وفي الإعلام ومع الرأي العام. لن يرتاحوا ولن يدعوا ما تبقى من المنظومة ترتاح.
سيمر هذا النموذج في اختبارات كثيرة، أولها قدرته على تقديم مشهد جديد على المسرح العام، وهذا سيستلزم وجود أجندة عمل منسقة، كما سيتطلب واقعية في التعاطي مع القوى السياسية خصوصاً منها التي تلتقي في أهداف أساسية مع هذا النموذج، لكن ذلك سيكون بحاجة إلى هندسة هادئة ينفذها من هو مؤهل للعمل على تزخيم عمل المجلس النيابي الجديد، وتوسيع القواسم المشتركة وهي صلبة وهدم الجدران الوهمية، التي ستساهم بهدمها ضرورات القيام بجهد إنقاذي متكامل.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |