السعودية ولبنان الجديد
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
كما في المسرحية الشهيرة، فإن انتظار غودو بقي انتظاراً على رصيف العبث، إلى أن أصبحت النهاية انتظاراً، وعلى هذا المنوال يمكن تصنيف ما يروج بخصوص اتفاق سعودي-إيراني وشيك في بغداد، سيترجم لبنانياً بانفراج كبير، أنه مجرد انتظار لوهم كبير.
لم تتطرق الاتصالات السعودية الإيرانية التي تجري في بغداد، والتي يمكن أن يرتفع أو ينخفض مستوى تمثيل المفاوضين فيها، إلى الملف اللبناني، فالملفات الأساسية هي اليمن ثم اليمن ثم اليمن ثم يأتي العراق بعد ذلك، أما لبنان فمركون على الرصيف، لا أحد من الأصدقاء أو الخصوم مستعد لدفع أثمان غالية للتورط فيه، بعد التجارب المرة التي أصيبت بالفشل الذريع، والمسؤولية في ذلك تقع أولًا وأخيراً على اللبنانيين أنفسهم، الذين يريدون من يقاتل بالنيابة عنهم لاسترداد بلدهم.
من علامات استبعاد أي صفقة إيرانية سعودية، تتمناها طهران، كلام سفير المملكة العربية السعودية في بيروت في إحياء ذكرى استشهاد المفتي حسن خالد. الكلام غير التقليدي للسفير البخاري، يعكس سياسة سعودية تجاه لبنان، تختلف جذرياً عما سبق. لقد ربط البخاري بين خسارة الممانعة للأكثرية في الانتخابات، وذكرى المفتي الشهيد الذي حارب الممانعة إياها فقتلته، وفي هذا الربط استشراف مستقبلي لرؤية السعودية تجاه لبنان، وتصنيف لمن يمكن أن تبني معهم علاقة ثابتة لا تعرف التسويات من تحت الطاولة، ولا تعترف بالخداع وسياسة شراء الوقت، وفرض الأمر الواقع تحت عنوان الحفاظ على السلم الأهلي، أو بفعل الخشية من المواجهة.
كلام البخاري لم يكن الإشارة الأولى إلى التغيير الجذري في سياسة السعودية تجاه لبنان وسياسييه سواء منهم المتذاكين أو الذين يمكن البناء على وضوحهم واستقامتهم.
بعد انفضاح غبار الدجل المزمن الآتي من بيروت، حسمت الرياض مع قيادتها الجديدة، فدفنت سياستها القديمة، وباشرت بسلسلة خطوات أعدت لتنفذ.
لن يكون بعد اليوم أي تهاون في الرد على أيّة إساءة تصدر من لبنان، ولن يكون هناك عذر لأي مسؤول يغط رأسه في رمال حزب الله، عندما يهاجم المملكة، سواء بشحنات الكبتاغون أو في الشتم أو في التدخل العلني في اليمن.
لن تمر أية مساعدة للشعب اللبناني عبر الدولة وأجهزتها الخاضعة للمنظومة، بل عبر ترتيب مع الفرنسيين ومبادرة لا تترك المساعدة السعودية أسيرة لنهش القوى السياسية، كل ذلك كي تصل إلى مستحقيها.
لن تتعامل المملكة بعد اليوم مع قيادات بات شعارها الدائم “ما خلونا” فهذه مرحلة مضت، والباب الآن مفتوح للتواصل مع كل من يريد أن يعمل من أجل وطنه، دون خوف يبرر التسويات الانهزامية، وبشجاعة تنبئ بأن مرحلة جديدة يجب أن تبدأ، أو لبنان جديد يفترض أن يولد.
وتبعاً لذلك يمكن التأكيد على أن أية هدنة في المنطقة، أو أي حوار سعودي-إيراني، أو أي تفاهم، لن يكون على حساب الموقف الواضح من لبنان، الموقف الواضح الذي لن يساوم على تحريره من الوصاية إذا أراد أبناؤه أن يقوموا بهذه المهمة.
وتبعاً لذلك أيضاً فإن لبنان في المنظور العربي لن يكون ورقة تفاوض على أي طاولة، وهو ليس جائزة ترضية ثمينة يمكن أن تقدم لإيران، بل منه تبدأ مواجهة النفوذ الإيراني، الذي اتخذه رهينة ومسرحاً لإدارة مشروع التوسع والهيمنة، في العراق وسوريا واليمن، ولمحاولة تهديد الأمن القومي لدول الخليج العربي، وهو لذلك لن يكون خاضعاً للمساومة، وسيتواصل التنسيق الفرنسي السعودي لتأمين غطاء دولي لمرحلة انتقالية تنقذ لبنان من نتائج الانهيار، وتؤسس لاستعادته دولة عربية مستقلة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |