لا إصلاح من دون إصلاحيين!
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
هل صحيح أن لبنان بلد عصي على الإصلاح؟ وهل صحيح أن أية توقعات جديّة بحدوث تغيير سياسي حقيقي وعميق لا تعدو كونها أضغاث أحلام رغم “اختراق” عدد من النواب التغييريين المشهد السياسي ودخولهم إلى البرلمان، ولو من خلفيّات وحسابات مختلفة عن بعضهم البعض؟
ثم، ما هي الأسباب الفعليّة التي تحول دون أن يتمكن لبنان من اعتماد سياسات إصلاحيّة تعيد تركيب الواقع الداخلي وفق أسس ومعطيات مختلفة جوهريّاً عن تلك التي أدّت إلى الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الكبير؟ أليس هناك من أمل في نهاية النفق المظلم؟
تتزاحم هذه الأسئلة وسواها عند كل منعطف هام، لا سيّما مع ارتفاع حجم المخاطر الاجتماعيّة التي باتت تنذر بانفجار كبير نتيجة تراكم المشاكل والفشل السياسي الذريع في معالجة أي من الملفات الكبرى التي تستنزف اللبنانيين وخزينة الدولة وفي مقدمها معضلة الكهرباء.
لقد بات مفضوحاً أن ربط إطلاق وتنفيذ الخطة الكهربائيّة بإقرار إنشاء معمل سلعاتا هو الذي أدّى عمليّاً إلى عدم إطلاق مشاريع بناء المعامل الجديدة لإخراج لبنان من الظلام، فضلاً طبعاً عمّا يشار إليه دائماً من صفقات وسمسرات تطرح نفسها قبل أي تلزيم. لقد كان بإمكان لبنان بناء معملين لإنتاج الطاقة بكلفة عامين أو أقل من إيجار البواخر التركيّة التي رست على الشواطئ اللبنانيّة لسنواتٍ طويلة.
لعل أحد أبرز أسباب الإخفاقات المتتالية في إطلاق الإصلاحات السياسيّة يتمثّل في غياب آليّات المراقبة والمساءلة، وإسقاط مبادئ دستوريّة أساسيّة وفي طليعتها فصل السلطات وتعاونها وتوازنها. ومن أكثر الأمثلة وضوحاً في هذا المجال تحرّك بعض القضاة “غب الطلب” وفتح الملفات بطريقة استنسابيّة لدرجة أن بعضها يكون وهميّاً وغير مبني على أي معطيات جديّة ولكنه يستخدم إما للترهيب أو للاستعراض الإعلامي الفارغ.
ومن أسباب الإخفاق الإصلاحي أيضاً هو التشويه المتمادي للمفاهيم الدستوريّة والسياسيّة والإستيلاد المتلاحق لأعراف جديدة تتلاءم حصراً مع المصالح السياسيّة لهذا الطرف أو ذاك واستباحة المؤسسات وشلها وتعطيلها بطريقة منهجيّة ومنظمة وهادفة.
لا ديمقراطيّة من دون ديمقراطيين. ومهما كانت الديمقراطيّة اللبنانيّة هشّة بسبب “توافقيتها” المصطنعة وتلوثها بالطائفيّة والمذهبيّة إلا أنّها تبقى تشكل متنفساً من الحريّات العامة والخاصة التي يُشكّل المساس بها أحد أبرز المخاطر التي تستهدف تغيير وجه لبنان ودوره ورسالته.
ثمّة من يرجم اتفاق الطائف ليل نهار ويعتبره قاصرًا عن تحقيق الإصلاحات المطلوبة وما تبقى منها. ولكن، هل طُبّق هذا الاتفاق كما يجب؟ وهل احتُرم من كل الأطراف السياسيّة؟ هل هي مجرّد مصادفة أن تكون القوى الموقعة على تفاهم مار مخايل هي ذاتها القوى التي كانت تتوجس تاريخيّاً من هذا الاتفاق، ولو من منطلقات عقائديّة أو مصلحيّة مختلفة؟
في عام إعادة تكوين السلطات اللبنانيّة المختلفة، لا مناص من إطلاق أوسع عمليّة إصلاحيّة لإخراج لبنان من كبوته. ولكن كما أنه ليس هناك من ديمقراطيّة من دون ديمقراطيين؛ ليس هناك إصلاح من دون إصلاحيين. دعوا الشعارات الإستهلاكيّة الفارغة جانباً!
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |