صناعة البهارات بين الواقع والمأمول: صامدة ومداخيلها بملايين الدولارات
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
فن ومهارات تجمع بينهما صناعة البهارات اللبنانية، موروث متجدد، وهي لم تعد من الصناعات التي تتميز بها بعض المناطق اللبنانية، بل أصبحت محط إعجاب شعوب الكثير من الدول التي تصدرها المصانع اللبنانية إليها مستخدمة فيها النباتات والبذور والثمار لتطييب الطعام.
البعض يصفها بالكنز الذي تختزنه المرأة اللبنانية في مطبخها، والآخر يرى فيها مُحركاً للعجلة الإقتصادية ومصدراً يؤمن ملايين الدولارات سنوياً رغم كل الأزمات التي نتخبط بها، بفضل 15 مصنعاً ينتشرون في معظم الأراضي اللبنانية ويركزون على الزنجبيل، الزعتر، القرنفل، جوزة الطيب، الفلفل، القرفة، الكمون، الزعفران، الصولجان، الكركم، وغيرها.
وعلى الرغم من اعتماد الكثير من هذه المصانع على استيراد مواد أوليّة كحبيبات البهار من بعض البلدان، مثل حبيبات البهار الحلو التي تستوردها من فييتنام وجامايكا والفلفل الأسود من فييتنام، البابريكا والحر الأحمر من الصين، ومن ثمّ تقوم المصانع بطحنها وغربلتها وخلطها وتعبئتها.
بينما لا يزال الحاج محمد دعبول في شركته المتخصصة بهذه الصناعة يعتمد على المواد الأولية اللبنانية في كل منتجاتها من البهارات. ومن أبرز تلك المواد: الكمون، الكراوية، الكزبرة، حبة البركة، الزعتر، السماق، القرفة، جوزة الطيب، القرنفل.
صناعة أبت أن تفارقه وأبى أن يفارقها رغم بلوغه عامه الـ 87، فهو يشرف على العاملين لديه ويعطيهم توجيهاته وإرشاداته، موضحاً في حديثه لـ “هنا لبنان” أنه يحرص دائماً على المحافظة على جودة أصناف البهارات التي ينتجها واعتاد عليها زبائنه الذين يقصدونه من مختلف مناطق بيروت، “أبيع بالمفرق ولا أصدر إلى أي بلد خارج لبنان، وبالطبع كل مهنة تعطيها من كل قلبك وضميرك وتتعب عليها فإنها ستعطيك أفضل ما لديها”.
ملايين الدولارات جناها لبنان سنوياً من صناعة البهارات، وفق أرقام الجمارك، وبمقارنة بين جدول قيمة الاستيراد وقيمة التصدير في السنوات الثلاثة الأخيرة. وتشكل بلدان الاغتراب في قارة أوروبا كلندن وفرنسا والسويد وألمانيا، وبلدان أمريكا وأستراليا وبعض البلدان العربية كالأردن والسعودية والكويت والإمارات أسواقاً جاهزة لاستقبال البهارات اللبنانية بحسب أرقام العام 2021، نظراً لوجود أعداد كبيرة من العرب واللبنانيين فيها .
ويبدي دعبول تفاؤله بمستقبل هذه الصناعة، كاشفاً عن اعتماده على مولد كهربائي لتسيير أمور مصنعه، “الشكوى لغير الله مذلة. أسعار المازوت تخطت المعقول، هذا يدفعنا إلى رفع الأسعار كي نعوّض قليلاً ممّا نتكلّفه يومياّ”. مؤكداً أنّ لائحة الأسعار عنده تصعد وتهبط وفقاً لحركة الدولار في السوق السوداء، مع مراعاته أوضاع الزبائن المادية والأحوال المعيشية الصعبة والمريرة التي يعاني منها اللبنانيون.
في الواقع لم تنج هذه الصناعة – كغيرها من القطاعات الإنتاجية – من تداعيات الظروف الاقتصادية الحالية كغياب الكهرباء وارتفاع أسعار المازوت وتقلبات الدولار، ليبقى الدعم الفعلي والكافي لها حبراً على ورق وإن كان على رأس الأولويات كما يتغنى هذا الوزير أو ذاك، وبالطبع أيضاً لم يعد الشعار “بتحب لبنان حب صناعتو” أو غيره من الشعارات الخاصة بالقطاع الصناعي كافية في ظل الصرخات ونداءات الاستغاثة التي نسمعها بشكل شبه يومي لإنقاذ عشرات القطاعات من الإغلاق والإفلاس.
ثلاثة فروع افتتحها أبناء دعبول الثلاثة في مناطق عدة في بيروت، حفاظاً على مهنة أحبها والدهم وأحبته، حيث يقومون بتأمين الأدوية الضرورية له لمرضي القلب والسكري الذين يعاني منهما، “بدل أن تقوم الدولة بدورها لناحية تأمين العناية والرعاية الصحية والإجتماعية لكبار السن نراها تتجاهل كلياً هذه الفئة من اللبنانيين، في كل الأحوال الحمد لله على نعمه علينا”.
وفي خطوة، تعزز الآمال بهذه القطاع يبرز البرنامج الذي أطلقته منظمة يونيدو المدعوم من الأمم المتحدة، ومن بين المستفيدين منه مصنعون للزعتر في منطقتي عرمون والناعمة، ويقوم البرنامج على تجهيز هذين المصنعين بآلات لتصنيع الزعتر. وتكمن أهميته في دعم الصناعة الوطنية والمنتج اللبناني بآلات مصنوعة في لبنان.
ويبقى وجود الكثير من أصناف البهارات أساسيًا في الصناعة اللبنانية، وفي مطبخ ربة المنزل، وصناعة المأكولات في الفنادق والمطاعم والمؤسسات السياحية في وطن الضيافة، حتى بات لبعض شركاتنا المختصة سمعة عالية في بلاد الهجرة والاغتراب ويطلبونها بالاسم طمعاً بالمذاق الذي يتسلل بسرعة إلى الذاكرة ويصبح من الصعب نسيانه.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |