سدّ المسيلحة “المنشّف” تحوّل مرعى للأغنام
كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان” :
نجح مشروع سدّ المسيلحة في البترون، في أن ينزع عنه الصّفة الحيويّة الإنمائيّة، لينضمّ إلى سلسلة المشاريع الفضائح، الّتي حفَلت بها سجلّات الدّولة اللّبنانيّة على مدى عقود. فقد عجز السدّ عن حفظ المياه مجمّعةً فيه لفترة طويلة، وغرقت فيه الحجج مع المراكب الدّعائيّة، لتفيض منه رائحة الفساد والصّفقات والحسابات السّياسيّة.
هذا السدّ الّذي بدأت وزارة الطّاقة والمياه البرتقاليّة العمل عليه عام 2013، والّذي كلّف ملايين الدّولارات وآلاف الأشجار، هو أحد المشاريع الأساسيّة لـ “التيّار الوطني الحر” ورئيسه النّائب جبران باسيل، الّذي أعاد التّشديد بكلّ ثقة خلال حملته الانتخابيّة الأخيرة، على أنّ “كهرباء بدنا نجيب وسدود بدنا نعمّر”! وعلى الرّغم من أنّ وزيرة الطّاقة السّابقة ندى بستاني كانت قد أعلنت أنّ المشروع سينتهي عام 2019، إلّا أنّ التّنفيذ ما زال مستمرًّا.
الكثير من الأصوات الاعتراضيّة والفضائح رافقت تنفيذ المشروع، بين الدّراسات البيئيّة والجيولوجيّة الّتي أثبتت أنّ طبيعة الأرض هناك لا تصلح لإنشاء سدّ، والصّور المتكرّرة لمنسوب المياه المنخفض فيه في أوقات مختلفة من العام نتيجة التشقّقات والانخسافات في قاعدته، وانتهاءً بتزويد السدّ بمياه اصطناعيًّا وإقفال بوّاباته لإبقاء منسوب المياه مرتفعًا فيه؛ ما أدّى إلى جفاف نهر الجوز المحاذي له.
ومن باب الصّدفة طبعًا أنّ إقفال البوّابات حصل تزامنًا مع الحملة الانتخابيّة لباسيل، الّذي زار السدّ المحبَّب إلى قلبه والتقط صورة “سيلفي” بجواره، تُظهره ممتلئاً على غير عادة، ليُكمل المساعي الحثيثة لـ”التيّار” لتظهير السدّ على أنّه مشروع حيوي ناجح.
كلّ ذلك استدعى بيانًا توضيحيًّا من وزارة الطّاقة في 27 أيّار، أشارت فيه إلى “أنّها قامت بتعبئة البحيرة خلال موسم الأمطار ٢٠٢١-٢٠٢٢، حيث تمّ جمع المعطيات والقياسات، لوضع خطّة العمل للمرحلة المقبلة وإتمام التّصليحات اللّازمة”. وذكرت أنّ “التّجارب تلك تطلّبت الإقفال الكلّي لبوّابات السدّ، لحصر الكميّات الوافدة من نهر الجوز، وحساب الوقت الّذي تتطلّبه البحيرة كي تمتلئ في زمن فيضان النّهر… ما أدّى إلى جفاف مجرى النّهر أسفل السدّ لثلاثة أسابيع، قبل أن تمتلئ البحيرة وتتدفّق المياه من المفيض نحو هذا المجرى”.
لكنّ المفارقة أنّنا لاحظنا مجدّدًا في الأيّام الأخيرة، انخفاضًا سريعًا لمنسوب المياه في خزّان سدّ المسيلحة، يُقدّر بنحو ١٢ مترًا، بحسب ما أفاد رئيس جمعيّة “أرض- لبنان” النّاشط البيئي بول أبي راشد.
أبي راشد الّذي يرى في السدّ مشروعًا فاشلًا، أوضح لـ “هنا لبنان”، أنّ “في المشاريع الكبرى كالسّدود، يُلزم القانون اللّبناني القيام بدراسة تقييم للأثر البيئي والاجتماعي والتّاريخي، وبدراسة الجيولوجيا والهيدروجيولوجيا والأهميّة الثّقافيّة للموقع والتّربة وغيرها من العوامل”.
وبيّن “أنّنا كناشطين نتابع الملف منذ بدايته، وفي 2014 وجّهنا كتابًا إلى وزارة البيئة، وطلبنا منها الاطّلاع على دراسة الأثر البيئي لسدّ المسيلحة، لكنّها قالت إنّه لا توجد هكذا دراسة، فأرسلت بدورها كتابًا تنبيهيًّا إلى وزارة الطّاقة وطلبت إيقاف الأعمال، إلى حين إعداد دراسة الأثر البيئي. إلّا أنّ الأخيرة ضربت هذا الكتاب بعرض الحائط واستمرّ العمل بشكل عادي، لأنّهم كانوا يعتبرون أنفسهم فوق القانون”.
ولفت أبي راشد إلى أنّ “المادّة 58 من قانون حماية البيئة 444/2022، تنصّ على أنّه يعاقَب من نفّذ مشروعًا يستوجب دراسة فحص بيئي مبدئي أو تقييم الأثر البيئي، من دون إجراء هذه الدّراسة مسبقًا أو إخضاعها لرقابة وزارة البيئة والوزارات والإدارات المختصّة، بالحبس من شهر إلى سنة، وبالغرامة من 15 مليونًا إلى 200 مليون ليرة لبنانيّة، أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
وركّز على أنّ “بالتّالي، نجد في هذه الحالة أنّ القضاء سكت، وأنّ وزارة الطّاقة خالفت القانون على “عينك يا تاجر”، مشدّدًا على “أنّنا اليوم ندفع ثمن عدم إعداد هذه الدّراسات، فقد فقدنا أموال خزينة الدّولة والأراضي الزّراعيّة وتمّ تدمير الآثار، والنّتيجة أنّ السدّ لا يجمع المياه”.
المدافعون عن السدّ يستشهدون بدراسات يقولون إنّ خبراء دوليّين أجروها، وأظهرت أنّ الموقع مناسب والتّجارب فيه طبيعيّة. غير أنّ أبي راشد أفاد بأنّ “الجيولوجيَّيْن طوني نمر وسمير زعاطيطي، تحدّثا مرارًا عن أنّ الأرض غير ملائمة لإنشاء السدّ، وأنّ هناك كِسرًا موجودًا فيها. إذًا، لو أُجريت الدّراسات الصّحيحة قبل تنفيذ المشروع، لما كنّا صرفنا ملايين الدّولارات وخرّبنا المنطقة. لكنّ تشبّث باسيل الّذي لا يحترم القوانين، أوصلنا إلى هنا”.
وأشار إلى أنّهم الآن “خرجوا بنغمة تغليف السدّ، ما يعني أنّهم ينوون صرف ملايين الدّولارات الإضافيّة، وهذا ما نرفضه بشدّة. ممنوع “كبّ” أي دولار على مشروع السدّ الفاشل”، معلنًا “أنّنا نخاف أن يعود “التيّار الوطني” مجدّدًا إلى تولّي وزارة الطّاقة، فيُكمل مشاريع السّدود الّتي ستفشل، لأنّ جبل لبنان بطبيعته الكارستيّة وبوجود فوالق في الأودية، لا يسمح بتجميع المياه؛ وبالتّالي كلّ أموالنا ستطير وسيدمّرون ودياننا”.
ونوّه مؤسّس جمعيّة “أرض- لبنان” إلى “أنّني ناشط بيئي مستقل، ولا أنتقد أبدًا من خلفيّة سياسيّة. فالأحزاب والتيّارات الأخرى ليست أفضل حالًا من “الوطني الحر”، لأنّها سكتت عن كلّ هذه التعدّيات والإخفاقات”.
كما كشف أنّ “الصّيانةَ الأخيرة الّتي حصلت من قِبل متعهّد المشروع “Maltauro spa-Impresa costruzioni Giuseppe” فشلت، وأنّ وزير الطّاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، دفع للمتعهّد في شهر تشرين الثّاني ٢٠٢١، مبلغ 5,2 مليار ليرة لبنانيّة مقابل إصلاح السدّ. إذًا لا يتحجّجنّ أحدٌ بأنّ المشروع لم ينتهِ بعد وبأنّ التّصليحات مستمرّة”.
ما لم يكن في الحسبان، هو أن يتحوّل السدّ مرعى جديدًا للأغنام، بحسب ما أظهرت صور انتشرت في الأيّام الماضية على مواقع التّواصل الاجتماعي. واعتبر أبي راشد أنّ “هذه الصّور تشير إلى أنّ مخزون المياه انخفض إلى مستوى كبير، وأنّه لا يوجد مراقبة كافية وجديّة، ما سمح بدخول راعٍ إلى السدّ برفقة ماشيته. كما أنّ السّؤال الّذي طرحه البعض على خلفيّة هذه المشاهد، هو كيف يتمّ تجميع المياه في السدّ للشفّة، وهناك خواريف ترعى في الدّاخل، وتترك خلفها برازًا ومخلّفات؟”
عدم تسليم وزارة الطّاقة لـ”التيّار الوطني”، يجب أن يكون شرطًا أساسيًّا أمام أي رئيس حكومة مكلّف، لا سيّما بعد الفضائح المدوّية في ملفَّي الكهرباء والسّدود. كما أنّ دفع أموال إضافيّة على هذين القطاعين من دون الحصول على نتيجة دائمة ومضمونة وسريعة، هو سرقة جديدة لخزينة مُفلسة، وضربة إضافيّة في خاصرة شعب يشحذ الكهرباء والمياه.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |