محور “المماحكة” وتدمير لبنان!
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
سوف يمر الكثير من الوقت قبل أن “تنتظم” الحياة السياسيّة اللبنانيّة في إطار مماثل لما يحصل في الأنظمة الديمقراطيّة لناحية تنافس الأطراف المكونة للعمليّة السياسيّة في صفوف متقابلة من المعارضة والموالاة. موالاة تتولى زمام السلطة وتتحمّل مسؤوليّة إدارة الشأن العام، ومعارضة بناءة مسؤولة تفضح الممارسات السلطويّة الخارجة عن القوانين والأصول.
تعود فكرة مشاركة جميع القوى السياسيّة المكوّنة للمجلس النيابي في السلطة التنفيذيّة إلى حقبة الوصاية السوريّة وإلى مرحلة ما بعد إنتهاء الحرب الأهليّة في مطلع التسعينات، ذلك أن طبيعة التركيبة اللبنانيّة المتنوعة والمعقدة كانت تحتّم في مكان معيّن أن تتضافر جهود كل القوى للمشاركة في إعادة النهوض بالبلاد وإسقاط الحواجز السياسيّة والميدانيّة والنفسيّة التي انتصبت أثناء الاقتتال الداخلي ومزّقت أوصال البلاد وجعلت منها “غيتوات” محصنّة.
ولكن، لا مناص من الذهاب نحو تطبيق ترتيبات سياسيّة جديدة، يُتاح من خلالها رسم خط واضح وفاصل تماماً بين قوى السلطة وقوى المعارضة، وأن تكون قوى المعارضة قادرة على ممارسة دورها في المساءلة والمحاسبة بعيداً عن سياسات الكيديّة والمناكفة الفئويّة التي لا تؤدي سوى إلى تأجيج الخلافات السياسيّة وتعثّر عمل المؤسسات.
إن استعادة المجلس النيابي لدوره الرقابي إلى جانب دوره التشريعي من شأنه أن يساعد بصورة تدريجيّة في إعادة الاعتبار لذاك الانتظام المفقود في الحياة السياسيّة على قاعدة فصل السلطات وتوازنها وتعاونها. من هنا، فإن مشاركة كل الكتل النيابيّة في الحكومات المتعاقبة إنما يعرّض هذا المبدأ لاهتزازات عميقة كما حصل تماماً خلال الأعوام الماضية.
لقد جعلت المشاركة النيابيّة الجماعيّة في الحكومات مسألة المراقبة والمساءلة، إن حصلت، تتخذ طابعاً فولكلوريّاً بعض الشيء، فالكتل ممثلة بوزراء يشغلون حقائب وزاريّة في ملفاتٍ أساسيّة، فمن سيحاسب من؟
واستطراداً، لن تنتظم هذه العمليّة السياسيّة وفق ما ينص عليه الدستور ما لم تترافق مع تكريس استقلاليّة القضاء الذي لا يزال يعاني من الارتهان والخضوع للسلطة السياسيّة بكل تلاوينها. فباستثناء عدد من القضاة، ثمّة شعور عام أن ارتباط التشكيلات والمناقلات القضائيّة برموز السلطة السياسيّة هو سبب رئيسي لتخلف القضاء عن القيام بواجباته.
كما أن التخبط الذي يشهده السلك القضائي بسبب الخطوات الاستعراضيّة التي يقوم بها بعض القضاة الذين يتحركون بهدي التوجهات السياسيّة للأطراف المدينين لها بالولاء، من شأنه المساهمة في إسقاط إضافي لهيبة القضاء والإخلال بدوره الكبير على المستوى الوطني. لذلك، يبدو ضرورياً، أكثر من أي وقتٍ مضى، أن تُرفع الأيدي السياسيّة عن القضاء.
ولكن، إذا كانت القوى السياسيّة مدعوة لوقف تدخلاتها السافرة في القضاء؛ فإن القضاة مدعوون بدورهم لوقفة مع ضمائرهم. الضمير هو الوحيد الذي يحصنّهم تجاه التدخلات السياسيّة وليس أي اعتبار آخر.
أمامنا مسافة زمنيّة طويلة قبل الوصول إلى هذه الإجراءات، خصوصاً بسبب اللوثة الطائفيّة والمذهبيّة التي صارت تعيث فساداً بكل مفاصل حياتنا الوطنيّة بسبب الفظاظة السياسيّة التي تُمارس من قبل بعض أبرز أطراف “محور المماحكة” وهو ربيب “محور الممانعة”. كلاهما “يجودان” في تدمير لبنان، كل على طريقته ولمصالحه وأهدافه!
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |