كيان الأسرة مهدّد…لبنان يتصّدر نسبة “العزوبية” في العالم العربي
كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان”:
ارتفاع سن الزواج أو ما يعرف بـ “العنوسة” في لبنان بات أمراً واقعاً فُرض على الشباب بفعل الأزمة الاقتصادية التي كبّلت طموحاتهم وفاقمت عزوفهم عن تأسيس العائلة بسبب الغلاء الفاحش وقلة فرص العمل.
والبحث في لغة الأرقام، بشأن ارتفاع أو انخفاض نسبة “العنوسة” يحتاج تدقيقاً علمياً مبنياً على القياس، وتشير الدراسات والإحصائيات إلى ارتفاع معدلاتها، حسب الفئات العمرية بين الذكور والإناث.
وترتفع معدلات “العنوسة” في العالم العربي بشكل عام حتى يأتي لبنان في صدارتها متخطياً نسبة الـ 80% بحسب خبراء في علم الاجتماع.
ويوضح أستاذ علم الاجتماع ومدير معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية طلال عتريسي لـ “هنا لبنان” أنه ربما يعود ارتفاع سن الزواج في لبنان مقارنة مع دول عربية أخرى والتي أيضاً يتأخر فيها سن الزواج إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تزداد تدهوراً، فقبل 10 سنوات تقريباً كان هناك ملاحظات واضحة ودراسات تتحدث عن سن الزواج الذي يتم احتسابه قياساً إلى ما هو متعارف عليه خلال عقود طويلة، ففي الماضي كان سن الزواج يتراوح ما بين 20 و25 سنة، أما اليوم فيمكننا إضافة 10 سنوات، وهذا يعود لمجموعة من الأسباب.
ويعدد الأسباب: في السابق كان يتم الحديث عن ارتباط التأخر بالزواج بالجانب الاقتصادي فقط، إلا أنه في العقود الماضية حصل تحول في نمط حياة الإناث في لبنان والعالم العربي أيضاً، حيث ارتفعت نسبة التعليم العالي لديهنّ وهذا يفرض منطقياً تأخر سن الزواج، حيث أن الأنثى أصبحت أمام خيارين، إما متابعة تعليمها أو الارتباط بشريك، وبمجرد التفكير بهذين الخيارين يصبح قرار الزواج أمرًا غير حتمي، كما وأن موضوع متابعة التعليم العالي يعني تلقائياً البحث والحصول على مهنة، ما يطرح سؤالاً جديداً حول الالتزام بالعمل أو الالتزام بمؤسسة الزواج؟”
ويرى عتريسي أن ظاهرة الانهيار الاقتصادي التي ضربت لبنان جعلت أي شخص من الطبقة الوسطى غير قادر على اتخاذ قرار الزواج حيث أن الراتب لا يكفي لتأسيس منزل والحصول على الخدمات الضرورية وهو أمر واقع يعيشه الشباب اللبناني، وهذا طبعاً سيؤدي ليس فقط إلى تأخير سن الزواج بل إلى تقرير العزوف عن الزواج وهذا ما سنشهده خلال السنوات الخمس القادمة.
ويضف سبباً آخر ساهم في تأخر سن الزواج في لبنان ألا هو ارتفاع نسبة الشباب الذين هاجروا إلى الخارج أو أولئك الذين ينتظرون فرصة لمغادرة لبنان.
ويشير إلى أنّ انعكاسات هذه الظاهرة بطبيعة الحال هي سلبية لأن المجتمع الذي يتأخر فيه سنّ الزواج تتراجع فيه معدلات الإنجاب وبالتالي يتراجع عدد الشباب.
وعما لو كان من إيجابية لتأخر سنّ الزواج يقول عتريسي: “في الحقيقة ليس هناك أي إيجابيات وبحسب التقديرات الطبية ينصح بالزواج المبكر أي ما بين سن 20 و 25 لأن الدراسات تشير أن الأنثى في هذه المرحلة العمرية قادرة على إنجاب أطفال سليمين صحياً.
ويشددّ على ضرورة إيجاد الحكومة للخطط الاستراتيجية إن كانت قادرة بهدف دعم وتأمين القروض الميسرة للسكن والزواج والإنجاب.
من جهته يؤكد المحلل الاقتصادي محمد أبو الحسن كلام عتريسي حيث يرى أن تأخر سن الزواج في لبنان يعود إلى أسباب اقتصادية خصوصاً خلال السنوات الثلاث الماضية التي حصل فيها الكثير من التطورات المالية التي أدت إلى انهيار العملة الوطنية، وساهمت بتآكل القدرة الشرائية للمواطن في ظل غياب خطط تصحيح الأجور، إضافة إلى تراجع فرص العمل وهجرة الشباب للعمل في الخارج.
ويضيف: “المتطلبات الأساسية للزواج تلعب دوراً مهماً في تأخر سن الزواج لدى الشباب في لبنان، فازدياد المسؤوليات والأعباء الاقتصادية التي يحتاجها المنزل تعتبر سبباً أساسياً لتأخر سن الزواج، اليوم يعاني الشباب من ارتفاع كافة التكاليف من كهرباء ومياه وإنترنت ومواصلات وأقساط مدارس وغيرها ما يقف عائقاً أمام قراره بتأسيس الأسرة”.
ويتابع أبو الحسن: “تراجع القدرة الشرائية للبنانيين أيضاً جعلتهم عاجزين عن تسديد كلفة حفلات الزفاف وشراء الشقق أو حتى تسديد الإيجارات التي أصبحت مدولرة”.
كما يوضح أنّ تأخّر سنّ الزواج ليس مرتبطاً فقط بالجانب الاقتصادي بل بالضغوطات الاجتماعية أيضاً، فاليوم أصبحت متطلبات الشريكين أكبر حيث أن كل منهما يبحث عن شخص يتناغم وينسجم مع أهدافه ومصالحه دون أن يكون هدفهما الرئيسي الإنجاب”.
ويرى أبو الحسن أن معالجة مشكلة ارتفاع سن الزواج سهلة جداً وتتمثل بإيجاد الحكومة للحلول المناسبة وهي بسيطة: تأمين الكهرباء والمياه بانتظام للمنازل، إنشاء مشاريع النقل العام، تأمين ضمان الشيخوخة، تأمين الرعاية الاجتماعية اللازمة، دعم قطاع التعليم الرسمي وتحسينه، خلق فرص عمل للشباب، دعم المواد الغذائية، وبالتالي تكون قد ساعدت الأسر وأصحاب المداخيل المحدودة.
ويختم: “صحيح أن لبنان غارق بالأزمات ولكن بإمكان حكومته بناء اقتصاد أكثر صلابة لاحتواء الجميع وإخراج المواطن من النفق المظلم الذي يعيش فيه”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار | بيوت جاهزة للنازحين.. ما مدى قانونيتها؟ | قائد الجيش “رجل المرحلة”.. التمديد أو الإطاحة بالـ1701! |