شعب حكواتي
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان” :
لم يقدم لبنان، إلى اليوم، على أي خطوة جدية للخروج من شرنقة الأزمات المتناسل بعضها من بعض، فيما البلاد غارقة في فوضى اجتماعية اقتصادية الصمود فيها لمن يستطيع تدبر أموره، بالتي هي أحسن، ولو بلغ ذلك حد التفتيش في مستوعبات النفايات والردميات، فكل شيء قابل للبيع والشراء طالما هناك، في عتمة ما، من يحسن الإستفادة حتى من اللاشيء. فلبنان المنارة والاستقطاب الذي صنعته ظروف المنطقة، وأهّلته ليكون محور ثقافتها وسياستها واقتصادها ومالها، يتعرّى من كل ذلك، لولا فرقة رقص تعبيري من هنا، وجائزة تقديرية لدور ثقافي في النشر من هناك، ومعارض لوحات فنّية محدودة من هنالك.
تعرّضت أغلب دول العالم إلى نكسات مشابهة، حتى الولايات المتحدة الأميركية، وكل دول العالم الجديّة وجدت السبل الموائمة للخروج من أزماتها. لم يكن همّها من يدفع ثمن البلاء والخطأ في ما انتهجته البلاد، ماليّاً واقتصادياً. كان الهم إنقاذ البلاد والمجتمع، وهو ما لا يستطيع اللبناني أن يزعم توافره في هذا الوطن، ولا يمكنه تسمية المسؤولين الحقيقيين عما وصلنا إليه من فساد وتقويض لبنى الدولة، وهم معروفون لدى الجميع، لكن من يجرؤ على إذاعة الأسماء خارج الجلسات المغلقة، فالكل مستفيد ولو كان صعباً المقارنة بين من يسرق قفل الباب ومن يسرق كل محتوياته، لكن النية واحدة.
تنصح الجدّات بترك الطفل يبكي لرأيهن أن ذلك يساعد في توسيع قفصه الصدري، وأنه سيتعب فيصمت، وهو ما يبدو أن النظام، بكل تنوعاته، يتبنّاه تجاه التظاهرات والمسيرات الشعبية المطالبة بكل حقوقها، وفي الطليعة معرفة المسؤولين الفعليين، والمواربين، عن تفجير مرفأ بيروت. لكن من يتجاوب مع هذه المطالب المنطقية، وتالياً المحقة؟ وهل هناك أحق من الأهل في سعيهم إلى معرفة من قتل أحباءهم، وشرد أهاليهم ودمّر بيوتهم؟ هل “تأليه” وزراء ونواب أهم من دماء 213 شهيداً سقطوا في 4 آب، وهل حق طائفة بتعيين قاض من أبنائها موجب لتعطيل العدالة لولا أن هذه العدالة عندهم أحط من تقاسم جبنة القضاء، وغيره، كيف لا، وهم يستميتون في استنكار الطائفية، ويتمادون في استغلال الطوائف حجة وستارة.
قبل أيام جاءتنا أمثولة وعبرة من الكويت: عقدت الثلاثاء الفائت أول جلسات محاكمة المتهمين في قضية صفقة طائرات “يوروفايتر”، التي تم إبرامها قبل نحو سبع سنوات، والمتهم فيها ستة أشخاص. ويرى نشطاء أن عقد الجلسة بشكل سري يعزز تكهنات بأن هذه القضية على أعتاب أن تلقى مصير قضية “صندوق الجيش” التي برّأ القضاء فيها، قبل سنوات، رئيس الوزراء السابق الشيخ جابر المبارك الصباح، ووزير الداخلية والدفاع الأسبق الشيخ خالد الجراح الصباح، إلى جانب سبعة مسؤولين عن مصير 240 مليون دينار (790 مليون دولار) قيل إنه جرى اختلاسها من الصندوق.
وأحالت لجنة التحقيق الدائمة الخاصة بمحاكمة الوزراء في الكويت في السادس والعشرين من أيار الماضي قضية صفقة مقاتلات “يوروفايتر” إلى محكمة الوزراء، بناء على تقرير من ديوان المحاسبة الكويتي خلص إلى وجود شبهات فساد وتجاوزات خطيرة في الصفقة، التي حصلت الكويت على أول دفعة منها العام الماضي، وبلغت قيمتها ثمانية مليارات يورو، فيما سبق أن أبرمت المملكة العربية السعودية في وقت سابق اتفاقاً لشراء 72 طائرة بقيمة 8.86 مليار دولار، وقطر التي اشترت 24 مقاتلة بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني.
بصرف النظر عما ستؤول إليه المحاكمة، وهل ستكون صورية أم جدية، فإن للبناني أن يسأل هل أن وزراءه ونوابه أكثر “قداسة” من وزراء ونواب الآخرين، كي تتم حمايتهم من المحاكمات، من دون أن نسأل ونتساءل عن مدى جديتها، إذا انعقدت.
الجدية هي آخر ما يُسأل اللبنانيون. فحتى المعارضة، أو المعارضات، في وجه “المنظومة” لا تغادر الإعتراض الصوتي إلى وضع برنامج عمل للخروج من الأزمات، فيما لا ينقصها أصحاب الكفاءات والإختصاص، في الداخل وعبر الحدود، كأننا شعب شفهي متأثر بشخصية الحكواتي المنقرضة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |