عندما سنرى بن سلمان في البيت الأبيض
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
عندما سيزور الأمير محمد بن سلمان البيت الأبيض، سيصبح بالإمكان القول أن العلاقة الأميركية السعودية، عادت إلى التفاهم الثابت والطويل الأمد الذي أُرسِيَ في مطلع الثلاثينات، أي في عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود والرئيس فرانكلين روزفلت.
لقد مرت العلاقة الأميركية السعودية بصعود وهبوط منذ ما يقارب المئة عام وإلى اليوم، لكنها استمرت لأن القوة العظمى اعتبرت أن أمن المملكة العربية السعودية، في صلب الأمن القومي الأميركي، فكانت الحرب الباردة المرحلة الذهبية التي لم تشهد أي انتكاسة باستثناء حرب الغفران على الجبهتين السورية والمصرية، التي استعملت فيها السعودية بقيادة الملك فيصل سلاح النفط، للضغط على الموقف الأميركي كي يكون أكثر توازناً لمصلحة العرب.
من مفارقات التاريخ أن يعود سلاح النفط إلى الطاولة، لكن هذه المرة من باب الأزمة الأوكرانية، وأن تضطر الولايات المتحدة بإدارتها الديموقراطية إلى الاستدارة على كل النوايا غير الحسنة التي استهلت بها سياستها تجاه السعودية ودول الخليج. لا بل إلى الاضطرار إلى إحداث تغيير جوهري في التعامل مع السعودية والإمارات العربية المتحدة، بعد أن أدارت الظهر لكل التحديات الأمنية التي تشكلها إيران، مكتفية بقراءة مفادها أن ما على السعودية إلّا أن تلبي مطلب رفع إنتاج النفط، كشيك على بياض، وأنّ عليها أن لا تطالب بالمقابل بحماية أمنها، أو بتوقع قيام الولايات المتحدة بدورها التقليدي في حماية الأمن والاستقرار في الخليج.
صحيح أن الاستهداف الإيراني لمنشآت آرامكو قد حصل خلال ولاية الرئيس الأميركي الأسبق ترامب، لكن مسار الإدارة السابقة كان يوحي للحلفاء بالثقة بقوة الردع الأميركي، لحماية استقرار الخليج، ولهذا ألغى ترامب الاتفاق النووي الموقع عام 2015، واستكمل هذا الإلغاء بخطوات ردعية أجبرت إيران على التفكير ملياً قبل أي خطوة عدائية تقوم بها مستهدفة دول الخليج.
كانت الرسالة الأولى لإدارة بايدن، التي فهمتها إيران جيداً وتصرفت على أساسها، رفع الحوثيين عن لوائح الإرهاب، وهي الخطوة التي أطلقت العنان الإيراني على غاربه، فاستهدفت المنشآت الحيوية في السعودية والإمارات، في ظل صمت أميركي اقتصر على إصدار بيانات الاستنكار، وهو ما حدا بالإمارات والسعودية إلى رسم علاقة جديدة مع الولايات المتحدة، بدت بأوضح وجوهها في أزمة أوكرانيا، لتبدأ بعدها إدارة بايدن في مراجعة السياسات المكلفة، وانتهت هذه المراجعة، بزيارة بايدن للمملكة، التي ستكون نقطة تحول في العلاقة الأميركية السعودية، وفي كل ما يتعلق بأمن واستقرار الخليج.
لأول مرة في تاريخ هذه العلاقة الطويلة، تجد إدارة أميركية نفسها ملزمة بأخذ مصالح الحلفاء الخليجيين بعين الاعتبار. فولايتا الرئيس السابق باراك أوباما شهدتا أكبر تدهور في العلاقة الثنائية، لم يصل إلى القطيعة لكنه أدّى إلى إطلاق يد إيران في المنطقة، وإلى تهميش اللاعب العربي، وإلى التأسيس لزواج الإسلام السياسي السني والشيعي، في سابقة تاريخية كادت تغير خريطة المنطقة وواقعها.
لأول مرة يولد في المنطقة خيار سياسي واقعي يعرف كيف يجد لنفسه مكاناً في لعبة المصالح الدولية. يعيد هذا المعطى التذكير بما قاله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن الشرق الأوسط سيكون أوروبا المستقبلية. يبدو أن ما قصده بن سلمان لم يكن انتقال المنطقة إلى مجرد لعب دور محوري اقتصادي بفعل ورشة التحديث الكبرى التي تشهدها، بل دور لا مفر من المرور بصناعه وشعوبه وبلدانه، في أي رسم لخريطة التوازنات الدولية.
بات يمكن بعد هذه الزيارة القول أن إدارة بايدن أعادت رسم الأولويات الأميركية، بما لا يعطي للشرق الأقصى الأولوية المطلقة على حساب الشرق الأوسط، وهذه بالتأكيد ستكون إحدى إسهامات بن سلمان.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |