سقوط آخر حصون سويسرا الشرق.. لبنان نحو رفع السرية المصرفية مكرهاً
كتبت كريستل شقير لـ “هنا لبنان”:
نظام السرية المصرفية تحت المجهر نزولاً عند رغبات دولية تسبق تحويل صيغة الاتفاق الأولي بين لبنان وصندوق النقد الدولي إلى برنامج تمويلي قيمته ثلاثة مليارات دولار ويمتد لأربع سنوات.
محطة مفصلية تمّهد لحقبة جديدة، دونها نقاشات معمقة في خلفياتها وتفاصيلها ومؤشرات كثيرة لا يمكن إسقاطها أو التغاضي عنها في حسابات فاتورة انتشال لبنان من المستنقع الذي يغرق فيه.
ففي أعقاب لجوء الدولة اللبنانية إلى صندوق النقد لإنقاذ لبنان من جحيم محتّم وقع اتفاق مبدئي ضمن شروطه رفع السرية المصرفية الخاضعة للدرس في لجنة المال والموازنة قبل الجلسة النهائية الاثنين لبتّه بشكل نهائي.
قد يكون التخلي عن قانون السرية المصرفية بحسب بعض خبراء الاقتصاد من أسهل الشروط في الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، لكنه وبحسب البعض الآخر يدكّ آخر أسس الثقة ويدخل ضمن مخطط مفاده أنه إذا أراد لبنان الإبقاء على قانون السرية المصرفية، فلن يقبل صندوق النقد الدولي بذلك وسيضع شروطاً إضافية على لبنان بذريعة منع الفاسدين من التحصن بثغرات القانون لإخفاء فسادهم.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة في حديث خاص لـ “هنا لبنان” أن السرية المصرفية لطالما كانت سبباً رئيسياً بازدهار القطاع المصرفي وعامل جذب لرؤوس الأموال مشيراً إلى أن القانون ٤٤/٢٠١٥ يسمح بملاحقة الفاسدين والهاربين من تسديد الضرائب وصولاً إلى تجميد حساباتهم ليس فقط في لبنان بل في دول العالم.
ويضيف عجاقة: رفع السرية المصرفية بحجة مكافحة الفساد ليس عذراً مقنعاً لكن يبدو أن هناك ضغوطاً دولية لا تقف عند حدود صندوق النقد الدولي، وإصراراً دولياً على إتمام هذه الخطوة بغية وضع الدول كلها في المستوى نفسه أو تصب في خانة نسف القطاع المصرفي لصالح دول أخرى.
وإذا كانت هناك شكوك، يقول عجاقة: فالملاحقة متاحة لأي مسؤول سياسي أو مصرفي أو أي شخص آخر وفق القانون ٤٤/٢٠١٥ الذي يدخل ضمن معاهدة مكافحة الفساد التي وقع عليها لبنان وضمنها هيئة التحقيق الخاصة المولجة تتبع أي شخص تشك به ولا تسري عليها أصلاً السرية المصرفية.
وعن مصير القانون في مجلس النواب يرى عجاقة أن الضغوطات كبيرة جداً على الطبقة السياسية ومهما خضع للنقاش والدرس وتعددت الجلسات سيتم التصويت عليه كما حال القوانين الأخرى وخطة الحكومة لم تغب عن الأذهان بعد.
ويخلص عجاقة إلى أن رفع السرية المصرفية خطأ استراتيجي متحدّثاً عن صيغ عدة يمكن اعتمادها وضرب مثلاً سويسرا التي تعتمد نوعاً من السرية المصرفية أقل صرامة من ذي قبل.
وبالعودة إلى تاريخ اعتماد القانون، ففي 3 ايلول 1956، أقر مجلس النواب قانون السرية المصرفية الذي أعدّه عرابه العميد ريمون إده، ووقعه رئيس الجمهورية كميل شمعون من دون تعديلات ما ساهم بجذب رؤوس الأموال، وشجع على الاستثمار، ووفّر الثقة بالائتمان المصرفي، كون المصارف تلتزم بموجبه بالسرية المطلقة للعملاء حيث لا يمكن كشف الحساب المصرفي للجهات الخاصة أو السلطات العامة، إلا في حالات معينة وردت حصراً في متن القانون، الذي جعل إفشاء السر المصرفي عمداً جريمة يعاقب عليها بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة.
وباعتماد السرية المصرفية، حظي لبنان بمكانة استثنائية نقلته إلى مرتبة الدول المتمكنة مالياً وتحوّل إلى ملاذ آمن للأموال حتى بات يعرف بمصرف العرب، وازدادت الودائع بنسبة 467% بين عامي 1950 و1961، وارتفع عدد المصارف اللبنانية من 31 مصرفاً عام 1955 إلى 72 مصرفاً عام 1968.
مواضيع مماثلة للكاتب:
قمة “إجماع عربي” في الرياض.. ولبنان سيحضر في البيان الختامي! | الجيش خط أحمر.. سور كنسي يحمي القائد! | “المجاري” تغزو الساحل.. روائح كريهة تخنق المواطنين وتهدد حياتهم! |