4 آب 2022: باخرتا الحبوب الأوكرانية والنيترات والجهة واحدة!
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
تشاء الأقدار أن تظهر إلى الواجهة قضية باخرة الحبوب الأوكرانية، قبل أيام من الذكرى السنوية الثانية لانفجار مرفأ بيروت، الذي ما زال جرحه عميقاً وحريقه مشتعلاً في بقايا الأهراءات. وكان لافتاً أنّ صوتاً من بيئة “حزب الله” تصاعد مع الباخرة “لوديسيا” الراسية في مرفأ طرابلس حالياً، والمحملة بشحنة من القمح الأوكراني، يشبه تماماً صوت الأمين العام للحزب حسن نصر الله بعد انفجار المرفأ، ليأخذ الأمور نحو الجانب الفني، فما أشبه اليوم بالبارحة؟
الكثير كُتب في انفجار مرفأ بيروت. وما زال هناك المزيد على ما يبدو سيكتب. من بين ذلك ما ظهر على هامش الباخرة الأوكرانية. وفي التفاصيل، أنّ السفارة الأوكرانية في بيروت دخلت مباشرة على الخطّ، وأعلنت في بيانٍ أنّها استحصلت على قرار من قضاء العجلة في لبنان بالحجز الاحتياطي على الباخرة لمدة 72 ساعة (ثلاثة أيام)، لكن قرار النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات قضى باستمرار الحجز إلى حين استكمال التحقيقات والإجراءات الخاصة بها، ولفت إلى أن “صاحب الباخرة تركي الجنسية ولديه مكتب لشحن البضائع في مدينة طرابلس، وأن نصف حمولة الباخرة مخصصة لسوريا والنصف الآخر للبنان، إلا أن صاحب البضاعة، وهو سوري الجنسية، صرف النظر عن تفريغ الكمية المخصصة للبنان في طرابلس، وسيعيدها إلى مرفأ طرطوس عند استكمال التحقيقات والإفراج عن الباخرة”.
لكن وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حمية (المحسوب على “حزب الله”)، وقبل أن يقول القضاء كلمته، رفض الاتهام بأن حمولة الباخرة مسروقة، وقال في حديث تلفزيوني أن “السفينة مرّت في أكثر من مرفأ منها روسيا وسوريا!” وهكذا، ووفق ما قاله وزير “حزب الله”، أصبحت السفينة خارج الشبهات بعدما مرّت بمرافئ روسيا وسوريا، على رغم أن البلدين، إضافة الى إيران، هي من أكثر البلدان التي تحوم حولها الشبهات الدولية.
بالرغم مما سبق، هناك ما يفسح المجال للارتياح، هو أن موضوع الباخرة الأوكرانية، هو في نهاية المطاف، قضية “سرقة”، كما تشير العطيات المتوافرة. وهي تختلف كليًّا عن الباخرة التي نقلت أكثر من 2700 طن من نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت في آخر عام 2013 فاستحقت في 4 آب 2020 لقب “باخرة الموت”.
المفارقة التي تستحق التوقف عندها اليوم، أن باخرة الحبوب وباخرة النيترات، تلتقيان عند العلاقة بروسيا وسوريا. ولمناسبة الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت، من المفيد العودة إلى إلقاء الضوء على هذه العلاقة. فقبل أسابيع أورد كاتب هذه السطور في مقال نشره موقع “هنا لبنان” أن الأنباء الواردة من بريطانيا، أفادت أن محكمة العدل العليا في لندن أصدرت قراراً مهماً في الدعوى المقدمة من مكتب الادعاء في نقابة المحامين في بيروت في ملف المرفأ، ألزمت بموجبه شركة “سافارو” الوسيطة بعملية بيع نيترات الأمونيوم وإدخالها إلى مرفأ بيروت، الإفصاح عن هوية مَن يتستر وراء شركة UBO صاحبة الحق الاقتصادي في الشركة. وحدد المحققون في لبنان وبريطانيا الآن شركة مدرجة في لندن تدعى سافارو المحدودة – التي كانت مرتبطة بثلاثة من رجال الأعمال الروس السوريين وفق صحيفة “غلوب آند ميل”، وهؤلاء الرجال هم: اثنان لهما علاقة برئيس النظام السوري بشار الأسد والثالث ذو صلة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
عشية الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت، لم تغب القضية عن إطلالات الأمين العام لـ “حزب الله”، وآخرها المقابلة التي أجرتها قبل أيام قناة “الميادين” مع نصر الله لمناسبة مرور 40 عاماً على نشوء المقاومة التي أسستها إيران بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. ومن خلال مقاربة قضية المطران موسى الحاج، قال نصر الله: “يوم موضوع التحقيق بالمرفأ أنا قلت يا أخي هناك التباسات حول هذا التحقيق وهناك تسييس بالتحقيق والتحقيق الفني لا يُقال حتى لعوائل الشهداء، فإما أن يتمّ تحقيق جدي و يتبدّل القاضي، قامت القيامة والتدخّل في القضاء والهجوم على القضاء وتهديد القضاء، مسكين هذا القاضي فادي عقيقي الآن خوّنوه وأخرجوه من الدين وناس تطلب له الإعدام ناس تطلب بطرده لماذا؟ لأنه أعطى إشارة للأمن العام أن ابحثوا في شنط المطران…”
إذاً، قضية انفجار بيروت ستبقى حاضرة من زاوية يراها “حزب الله” ذات صلة به وبحلفائه. فها هو اليوم نصر الله يطل من نافذة المطران الحاج كي يغلق باب التحقيق القضائي في هذا الانفجار. ومثله فعل وزير الأشغال التابع للحزب الذي أطل من نافذة باخرة الحبوب الأوكرانية كي يقفل الباب على صلة موسكو ودمشق بها.
في 21 آب 2020، أي بعد مضي 16 يوماً على انفجار المرفأ، نشر موقع “درج” الإلكتروني تحقيقاً استقصائياً أعدّه فريق تابع لمشروع تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود وشركاؤه، جاء فيه: “ذكرت ثلاثة مصادر استخباراتية أوروبية تحقق في الانفجار وتحدثت إلى الصحافيين شرط عدم ذكر أسمائها، أن الكمية التي كانت ما زالت مخزنة في العنبر رقم 12 بحلول آب 2020 ربما كانت أقل من الـ 2750 طناً الأولى نظراً إلى أن حجم الانفجار يعادل أقل من 700 إلى ألف طن من نيترات الأمونيوم. ومع ذلك، كان الانفجار كبيراً بما يكفي لتدمير أجزاء كبيرة من شرق بيروت وليكون أحد أقوى التفجيرات غير النووية المسجلة على الإطلاق”.
بالأمس، كان أكثر من ألفي طن من نيترات الامونيوم، كانت تطعم براميل الأسد كي تدمر سوريا، وانتهت إلى تدمير بيروت. أما اليوم، فإن الحبوب الأوكرانية المسروقة فهي تطعم زبانية الأسد، عبر استباحة المرافئ في لبنان. من هنا يجب البحث مجدداً عمن تسبب بكارثة المرفأ، فهل سيسمح بذلك؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |