الأول من آب: عيد بأي حال عدت يا عيد على جيش الوطن
كتبت رانيا حمزة لـ “هنا لبنان”:
يصادف الأول من آب عيد الجيش اللبناني، وهي مناسبة وطنية جامعة، حيث ينظر إلى هذه المؤسسة على أنها أنموذج نادر للوحدة في بلدٍ شرذمته الطائفية وزعاماتها، فيما يبقى هو حامي حمى الوطن ودعامة أمنه وأمانه.
وعلى الرغم من كل الأزمات والنكبات التي طالت لبنان على مدى السنوات المنصرمة، ظل اللبنانيون ينظرون إلى الجيش على أنه مرساة للاستقرار، وأن مؤسسته تعلو على كل الانقسامات في البلاد. وعلى الرغم من بعض الحوادث والإشكالات الأمنية التي تحصل بين الفينة والفينة، نتيجة الأوضاع التي تمر بها البلاد، وعلى الرغم من سعي البعض إلى إقحام الجيش في لعبة “الفتنة”، إلّا أنّ اللبنانيين كانوا على الدوام يتصدون لأي محاولة من هذا النوع ويؤكدون على تمسكهم بوحدة المؤسسة العسكرية.
وبمناسبة الذكرى الـ 77 لهذا العيد، نشرت قيادة الجيش على موقعها الإلكتروني وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بوستر كتب عليه: “77 سنة.. وما ننكسر”. ولكن، الجيش ليس شعاراً وحسب، بل يتكون من أفراد لا يقع على عاتقهم ضمان أمن الوطن وحسب، بل لديهم أسر ومسؤوليات تجاه عائلاتهم، وليس خافياً على أحد، أن تفاقم الأزمة الاقتصادية وانهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار طال تأثيره المؤسسة العسكرية التي بات أفرادها يعيشون حالة اقتصادية ولوجيستية ونفسية سيئة جداً.
وبعد أن كانت هذه المؤسسة ملاذ الشباب، الذين يسعون للانتساب إليها على الدوام، بات اليوم العديد من أفرادها يعيشون بانتظار تسريحهم، حتى إذا ضاقت سبل العيش لدى البعض، لجأ إلى الفرار ضارباً عرض الحائط كل التبعات الناجمة عن خطوة من هذا النوع.
فقد أدى انهيار العملة إلى سحق قيمة رواتب العسكر التي باتت لا تكفيهم بدل نقل وطعام، فيما يبدو أن هذه الأزمة خارج اهتمامات الدولة اللبنانية.
وبدأت انعكاسات هذه الأزمة تتجلى، في السنتين الأخيرتين من خلال صعوبة توفير الغذاء للجنود ونوعيته وجودته وتنوعه في الثكنات، وامتدت لتطال الجانب اللوجستي، من صيانة الآليات العسكرية وسيارات الضباط، الذين أُبلغوا بأن تصليح أعطال سياراتهم سيكون من مسؤولية شاغل السيارة وعلى نفقته الخاصة.
وقد تأكد عمق الأزمة، حين عقد بتاريخ 17 حزيران 2021، مؤتمر دولي افتراضي لدعم الجيش، بدعوة من فرنسا ومشاركة مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، التي تضم أبرز دول الاتحاد الأوروبي وأميركا والصين وروسيا وعدد من الدول العربية، ويومها حذر قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، من أن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والمالي، وعدم اتخاذ إجراءات لمعالجته، سيؤدي حتماً إلى انهيار المؤسسات، ومن ضمنها المؤسسة العسكرية، وبالتالي سيكون لبنان مكشوفاً أمنياً.
عام مرّ على هذا المؤتمر، فهل تحسنت أوضاع العسكريين مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد؟
في حديث لموقع “هنا لبنان” مع موظف مدني في المؤسسة العسكرية، رفض ذكر اسمه لاعتبارات وظيفية قال أن “الأوضاع بدأت تتحسن في الفترة الأخيرة، لا سيما مع التسهيلات التي أعطيت للعسكريين حيث أن العنصر يخدم حوالي اثنا عشر يوماً في الشهر فيما سمح له بالعمل بأي مهنة أخرى خارج الدوام وذلك لمساعدته. كما تم رفع بدلات النقل للموظفين المدنيين إلى نحو 65 ألف ليرة لبنانية. كما أنه تم منح العسكر مساعدة اجتماعية على هيئة “مونة”، مواد غذائية يحصلون عليها بين فترة وأخرى لقاء مبلغ زهيد لا يتجاوز المئة وستين ألف ليرة. كما شدد الموظف على أهمية محافظة المؤسسة العسكرية على تأمين تغطية الطبابة بنسبة مئة بالمئة. وإعطاء الأدوية المتوافرة مجاناً وتأمين الأدوية المفقودة بأسعار مقبولة جداً مقارنة بأسعارها خارج صيدليات الجيش”.
واعتبر المصدر، أنه “لا يمكن الاستهانة بهذه التقديمات مع ما تمرّ به البلاد”. ورداً على محاولة البعض الهروب من الخدمة أو طلب التسريح، اعتبر أن “هذا الأمر يأتي نتيجة تعرضهم للضغوطات النفسية خارج المؤسسة العسكرية، لا سيما سماع أخبار عن تمكن البعض من الهجرة أو حصول البعض على وظيفة بالدولار، عدا عن ذلك لا شيء يدعو الفرد إلى التفكير بترك المؤسسة العسكرية”.
كلام هذا المصدر الذي يبدو وردياً، ويبعث نوعاً من الاطمئنان يصطدم بحيثيات أخرى روتها سيدات يعمل أزواجهن في السلك العسكري، كان لموقع “هنا لبنان” حديث معهن عشية العيد.
تتحدث “منال” (اسم مستعار) قائلة: “زوجي معاون أول بالجيش، يبلغ راتبه نحو مليوني ليرة لبنانية، وهو طبعاً راتب ضئيل أمام الغلاء الفاحش الذي نشهده، وحقيقة لو لم يكن مركز الخدمة قريباً من المنزل لكان توقف عن الذهاب إلى الخدمة منذ زمن، فكيف سيتمكن من تأمين ذهابه فراتبه لا يكفي للمواصلات والطعام، لا سيما أنه في الآونة الأخيرة لم يعد الطعام متوفراً في الثكنة التي يخدم بها على نحو كافٍ. وقد عثر على وظيفة أخرى وإلا لما تمكنّا من الصمود”.
أضافت: “منذ نحو ثلاثة أشهر بدأنا نحصل على مساعدة اجتماعية تبلغ نحو مليون ونصف ليرة ولكن لا ليس على نحو ثابت”.
أما بالنسبة للطبابة فقالت: “صحيح أن التغطية هي بنسبة مئة بالمئة، إلّا أنه منذ فترة بدأت تواجهنا مشكلة رفض عدد من المستشفيات قبول مرضى الجيش بحجة أنهم لا يحصّلون مستحقاتهم من الدولة”، وأضافت: “في حال اضطررنا لسبب من الأسباب أن ندخل إلى المستشفى فيجب أن ندفع “كاش” وهذه مشكلة كبيرة”.
أما “سناء”، فيبلغ راتب زوجها نحو مليون وستمئة ألف ليرة، وهو طبعاً مبلغ زهيد وعن ذلك قالت: “نعيش أنا وزوجي على معونة الأقارب والدين، فهو لم يحصل على عمل آخر، وكل شيء باهظ. والحمدلله ليس لدينا أولاد حتى الآن وإلّا لكنا بكارثة حقيقية فأنا أعلم معاناة صديقاتي في هذا المجال”.
وعما إذا فكر زوجها في أن يترك الخدمة قالت: “يأمل زوجي أن يهاجر عن طريق البحر وهو يحاول إقناعي بذلك ولكن طبعاً أنا أخاف أن يصيبه مكروه، نأمل أن يأتي فرج من حيث لا ندري لأن الوضع بات لا يطاق، وباتت وظيفة زوجي جحيماً لا يطاق ولكن لا مهرب آخر حتى الآن”.