فتاوى من مشرّعي القصر الجمهوري لنقل صلاحيات رئيس الجمهورية في ظلّ الشغور الرئاسي
كتبت ريمان ضو لـ “هنا لبنان”:
تشكيل حكومة قبل 31 تشرين الأوّل، موعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون ومغادرته قصر بعبدا، بات فكرة من الماضي، فالأمر تجاوزته أوّلاً المُهل، قبل أسبوعين فقط من بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد في ظل عزم رئيس مجلس النواب نبيه بري على توجيه دعوة لعقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية مطلع أيلول المقبل، وثانياً انعدام كلّ المعطيات السياسية للتأليف.
ومع صعود احتمال الفراغ الرئاسي، يحاول كل طرف تعزيز صلاحياته عبر اجتراح ما لم يقله الدستور صراحة حول معركة الصلاحيات وتفسير الدستور، وكيفية إدارة مرحلة الفراغ.
في الفترة الماضية، سرت معلومات عن قيام عدد من الدستوريين والمشرعين القريبين من دوائر القصر الجمهوري بوضع دراسة قانونية تؤكّد أنّه لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال أن تتسلّم صلاحيّات رئيس الجمهورية في حال حصول فراغ رئاسي. وتحاول الدراسة تقليص مهمّة الحكومة المستقيلة أو بالحدّ الأدنى سلب أيّ صلاحية منها، ويزعم هذا الفريق أنّها سوف تستولي بموجب حكم الأمر الواقع على صلاحيات رئيس الجمهورية، ومن هذه الاقتراحات لجوء رئيس الجمهورية إلى نقل صلاحياته إما إلى المجلس الأعلى للدفاع أو إلى المجلس الدستوري أو مجلس القضاء الأعلى.
رئيس مركز ليبرتي للدراسات القانونية والاستراتيجية د. محمد زكور يؤكد لموقع “هنا لبنان” أن المخاوف بأن تؤول صلاحيات رئيس الجمهورية إلى الحكومة في حال انتهاء ولاية الرئيس واستمرار الفراغ الرئاسي، أقاويل لا أساس لها من الصحّة لأن الحكومة عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية تعتبر مستقيلة. والنص الدستوري لم يحدّد بالحرف معنى تصريف الأعمال إلّا أنه كما معظم الدساتير أحاله إلى الفقه الدستوري.
والفقه الدستوري يُعرّف تصريف الأعمال بأنّه إنجاز الأعمال التي تحمل طابع العجلة ولا تحتمل أي تأجيل وعليه يضيف زكور أن الصلاحيات التي تتمتع بها حكومة تصريف الأعمال هي صلاحيات ضيقة بمفهوم تصريف الأعمال الملحة والضرورية والتي لا تقبل التأجيل. ومن هنا نستغرب كيف يمكن لحكومة تصريف أعمال بالمعنى الضيق أن تملك صلاحيات دستورية؟ وعلى سبيل المثال: هل تستطيع حكومة تصريف الأعمال أن تعتمد السفراء وأن تسمي رئيس حكومة أو تدعو إلى استشارات نيابية ملزمة أو تمنح عفواً خاصاً أو توقّع مرسوم قبول تشكيل حكومة جديدة؟
ويؤكد زكور أن صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الشغور الرئاسي، بمنأى عن أيّ مسّ ولا أحد يستطيع أن يمارس القليل من هذه الصّلاحيات.
وعن اقتراح نقل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى المجلس الأعلى للدفاع يقول زكور إنها هرطقة دستورية لأن المجلس الأعلى للدفاع ليس هيئة دستورية ولا تنفيذية بل هو هيئة مشكلة من بعض الوزراء وكبار القادة الأمنيين، وذلك لمعالجة بعض القضايا الطارئة الأمنية أو الكوارث ولا يستطيع بالتالي لعب دور رئيس الجمهورية.
أمّا من يقترح بأن تؤول الصلاحيات إلى المجلس الدستوري فهو يخالف الدستور، إذ أن هذا المجلس وبحكم إنشائه بالقانون 250/93 ينظر فقط في صحة الانتخابات الرئاسية والنيابية وفي دستورية القوانين ولا يستطيع أحد أن يكلّف هذا المجلس بصلاحيات إضافية.
أما الاقتراح الثالث الذي قد يلجأ إليه دستوريو القصر الجمهوري، هو تشكيل هيئة من الوزراء أو هيئة عامة تُحال إليها صلاحيات رئاسة الجمهورية. هذا الاقتراح يُعدّ أيضاً، بحسب زكور هرطقة دستورية، لأنّ صلاحيات أيّ مؤسّسة دستورية محددة حصراً وبالحرف وبالمواد الدستورية وأي تغيير لذلك يحتاج إلى تعديل دستوري، وهو أمر مستحيل في هذه الظروف بسبب غياب أي توافق سياسي.
الحديث عن إجراءات قانونية لمنع تسلم حكومة نجيب ميقاتي صلاحيات رئيس الجمهورية يعيد إلى الأذهان تجربة الرئيس أمين الجميل عندما كلف قائد الجيش حينها العماد ميشال عون بترؤس حكومة عسكرية عبارة عن ستة ضباط.
إلّا أنّ ما قبل الطائف ليس كما بعده، إذ أنّ الدستور اللبناني قبل الطائف، أعطى رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، فكان النص الدستوري يقول بأن رئيس الجمهورية يعيّن الوزراء ويسمي من بينهم رئيساً. أمّا بعد الطائف، فتلك الصلاحية حُرم منها وأصبح تعيين رئيس الحكومة يجري وفق استشارات نيابية ملزمة يجريها رئيس الجمهورية مع النواب ويكلف من بعدها الرئيس الذي حاز على أكبر قدر من الأصوات.
والطائف حرم أيضاً رئيس الجمهورية من صلاحية إقالة الحكومة وبالتالي لا مجال للمقارنة بين تجربة ما قبل الطائف وما بعده، ولا مجال اليوم لأي فتوى قد يأتي بها مستشارو ميشال عون.
ويختم زكور بأن أي فتوى سوف يحاول الفريق القانوني لرئيس الجمهورية أن يعمل بها، سوف تكون بمثابة تعدٍّ على الدستور ولعبٍ بالنار وتهديدٍ باندلاع حرب أهلية، لأنّ الدستور اللبناني بمندرجاته هو العقد الاجتماعي السياسي الذي يرعى البلاد والعباد، وإضافة أيّ بند على بنوده تستوجب تعديلاً دستورياً. وبالتالي عندما تنتهي ولاية رئيس الجمهورية يجب أن يذهب إلى منزله وأن يعمد مجلس النواب إلى انتخاب الخلف وإذا حصل الفراغ الدستوري تستمر حكومة تصريف الأعمال بالقيام بمهامها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
المحكمة العسكرية ضحية “الكيدية” | مسؤولون لبنانيون للوفود الديبلوماسية: الأولوية للترسيم البري بدل الالتهاء بالقرار 1701 | أونصات مزورة في السوق اللبناني… والقضاء يتحرك |